يشكل البعد الرابع Forth Dimension - إضافة للأبعاد الثلاثة- الفراغ على نحو نظامي. وكثيراً ما يعد الزمن كبعد رابع، وهو التمثيل الذي شُجع كثيراً في الهندسة الإحداثية التي يمثل الزمن فيها روتينياً كمحور خطي. بمعنى آخر فإن البعد الرابع صار زمن الحدث، ممثلاً على الإحداثي الرابع لفضاء رباعي الأحداث للمكان والزمان (فضاء زمكاني أو فضاء مينكوفسكي(.
البعد الرابع كزمان أضافته النظرية النسبية لآينشتاين إلى أبعاد المكان الثلاثة المعروفة وهي الطول والعرض والارتفاع. فحتى نستطيع تحديد موقع طائرة فإننا نحتاج إلى البعد الرابع. لأنه لا يمكن تحديد موقع طائرة متحركة بثلاثة أرقام، وحتى نستطيع تحديد موقع طائرة في الجو، بمجموعة الأرقام (6,4,2) مثلاً، فإننا نحتاجإلى بعد رابع هو الزمن.
في أوائل القرن العشرين أدرك عالم الرياضيات هيرمان مِنكوفسكي أن نظرية النسبيةالتي أطلقها العالم الفيزيائي ألبرت أينشتاين وصفت كونًا ذا أربعة أبعاد. وكما يرىمنكوفسكي فإنالبعدالزمني يندمج مع الأبعاد المكانية الثلاثة ليشكلالزمان- المكان(أو اختصاراً: الزمكان)بعد ذلك بدأ الرياضتيون بدراسة أشكال هندسية ذات أربعة أبعاد أو أكثر.
وقد يكون البعد الرابع الذي نتحدث عنه بعداً مكانياً؛ فالقطعة المستقيمة عبارة عن مجموعة نقاط مصفوفة على بعد واحد. والأجسام الثنائية الأبعاد كالمثلث والمربع والدائرة تتألف من مجموعة قطع مستقيمة وكل هذه الأجسام تعيش في عالم ثنائي الأبعاد وترى بعضها بعضاً كخطوط مستقيمة. فهي تألف البعد السيني والصادي وتبرمج عقلها على أن الكون مؤلف من بعدين فقط. وتستطيع التحرك يميناً ويساراً, وشمالاً وجنوباً. لكنها لا تستطيع أن تتحرك, ولا أن تتخيل, الاتجاه الأعلى والأسفل. فتذهب للمدرسة ويشرح له مدرس الهندسة الرياضية, وهو أيضا جسم ثنائي الأبعاد, عن المستقيمات والمتجهات والأجسام ذات البعدين < س، ص > فتألف المادة وتبدع فيها. لكن إذا وصلوا في مادة الهندسة في الرياضيات إلى المتجه ذي الثلاثة أبعاد < س, ص, ع > فإنه لا يستطيع أن يتخيله ولا يستطيع أن يراه, مع كونه موجوداً. ولا يسعه تخيل الأجسام ذات الثلاثة أبعاد مثل المكعبات والأهرام والكرات, ولا يستطيع أن يراها. والمكعبات والأهرام والكرات عبارة عن أجسام تتكون من عدة شرائح ثنائية الأبعاد.
وإذا زار الجسم الثلاثي الأبعاد العالم الثنائي الأبعاد, فإن الأجسام ثنائية الأبعاد لا تستطيع أن تراه ولا حتى أن تتخيله. وإذا مر جسم ثلاثي أبعاد واخترق المستوي الذي يعيشون فيه فإنهم فقط سيرون شريحة واحدة فقط من الشرائح المكونة له وهي انعكاس الجسم ثلاثي الأبعاد على العالم ثنائي الأبعاد وهذا الانعكاس ثنائي الأبعاد أيضاً وتراه الأجسام الأخرى كخط مستقيم.
والشيء نفسه ينطبق علينا, نحن أجسام مكونة من ثلاثة أبعاد ونألف الأبعاد الثلاثة. ونرى انعكاسات الأجسام الثلاثية الأبعاد والتي هي ثنائية أبعاد. ولكننا لا نألف بعداً رابعاً. ولا نستطيع أن نتخيل الأجسام ذات الأربعة أبعاد لكننا نستطيع أن نرى انعكاسها على عالمنا الثلاثي الأبعاد. وكما أن العالم الثلاثي الأبعاد عبارة عن مجموعة عوالم ثنائية الأبعاد (مستويات) متراصة فوق بعضها بعضاً, فإن العالم الرباعي الأبعاد عبارة عن مجموعة عوالم ثلاثية الأبعاد فوق وجنب وخلف بعضها بعضاً. وهذه أشكال انعكاسات جسيم الرباعي الأبعاد في العالم ثلاثي الأبعاد.
تبسيط فكرة أن الزمن يمكن تمثيله كبعد رابع خُلط تاريخياً على نحو خاطئ بينه وبين تبسيط فكرة إمكانية وجود بعد مكاني رابع حتى أسقط الزمن من الاعتبار.
المبسط الرئيس للبعد الرابع في أواخر القرن التاسع عشر هو سي.إتش. هينتون الذي ساعد في إلهام مشيدي (الأراضي المستوية) ثنائية البعد وأيضاً أمد بلغة اصطلاحية استعملها هربرت ويلز لـشرح عمل (آلة الزمن) عام 1895م.
إن تطوير الفكرة في القرن التاسع عشر شوش إلى مدى أبعد باندماج التأملات الهندسية مع بقايا علم السحر والتنجيم، أملاً في أن بعد مكاني رابع يمكن أن يمد بتفسير (علمي) لظاهرات مثل الأشباح – وهي فكرة أخرى وجدها هنتون مشوقة جداً.
الباحث النظري الطموح لأبعد حد من هذا النوع كان جوهان زولنر الذي أمد مؤلفه (الفيزياء فوق الطبيعة) عام 1865م بإلهام كبير للأرواحيين والمؤمنين بالثيوصوفية والمتأملين الآخرين التواقين إلى الاحتفاظ بعلاقة بين عوالم الأحياء والأموات.
المتحدرين فكرياً من زولنر تضمنوا بي.دي. أوسبنسكي وجي. غورديف، وقد نشرت النصوص الرئيسة للكاتب الأخير في الأصل بالروسية، ثم تُرجمت إلى الانكليزية تحت عنوان (الجهاز الثالث) عام 1920م و(نموذج جديد للكون) عام 1931م. إذ يتقدم الزمن في علم كونيات العمل الأخير بشكل حلزوني وتوجد ستة أبعاد مكانية.
نسخة أوسبنسكي من البعد الزماني صورت بطريقة مسرحية في (الحياة الغريبة)عام 1915م لإيفان أوسوكين.
مقاربة هنتون الحذرة على نحو مدروس -لكن الجسورة- قد كررت في (الكون المسلسل) عام 1934م و (تجربة في الزمن) عام 1927م لجي. دبليو دون.
معظم الإشارات الأدبية في القرن التاسع عشر إلى أبعاد أعلى كانت تنشأ من تخصيصات سحرية للفكرة، تتضمن الإشارات التي صنعت من قبل فيودور دوستيسكي في (الأخوة كارمازوفسكي) بين عامي (1879-1880م). أما (شبح كانترفيل) عام 1887م لأوسكار ويلد فهو يسخر من هذه المفاهيم.
لكن جوزيف كونراد وفورد مادوكس استعملاها بجد أكثر في وصفهما للمتخصصين في الأبعاد في (الوارثين) عام 1901م.
(رحلة في البعد الرابع) عام 1912م لجورج باولوفسكي هي عمل هجين متقن. أما (اهتداء الأستاذ) عام 1899م لجورج غريفتن، و(الفضاء) عام 1911م لجون بوشان، و(ضحية فضاء أعلى) عام 1914م لألجيرنون بلاك وود، و(حالة قناة الرمح) عام 1924م و(الرجل الغائب عن النظر) عام 1926م لريتشارد هيوز، و(أبعاد كثيرة) عام 1931م لتشارلز وليمز، كلها أعمال قدرت استقرائياً هذا التقليد العلمي الزائف.
لقد أدى استعمال بعد رابع افتراضي من قبل العلماء الزائفين والمتخصصون في السحر والتنجيم إلى اكتساب الفكرة لوصمة ضارة بالسمعة في عيون المناصرين للمذهب العقلي، ولم تتخلص منها أبداً كلية حتى عندما أعادت النظرية العامة للنسبية بناء الفراغ في الفيزياء النظرية كزمان – مكان رباعي الأبعاد، وفتحت الباب للتخمين بأن ثمة بعد مكاني رابع – في الواقع هو بعد خامس– يمكن أن يفسر الجذب الكهرطيسي بالطريقة نفسها التي فسر فيها ألبرت أينشتاين الجاذبية، مقدمة بالتالي موحّدة (نظرية لكل شيء).
عندما تم تبني البعد الرابع في الخيال العلمي ذي الموضوعات المثيرة فإن التصورات السحرية للفكرة خفضت إلى الحد الأدنى على نحو معتاد كما في (إلى البعد الرابع) لراي كومنغس (عام 1926م (نشر ككتاب عام 1943م)، وسلسلة بوب أولسن التي بدأت بـ(رباعي البعد) عام 1927م، و(الملحق والنظارات) عام 1928م لنيلز بريور، و(مقطع مستعرض مأسور) عام 1929م، و(كتاب العوالم) عام 1929م، و(المنجنيق ذي البعد الخامس) عام 1931م لموراي لاينستر وتكملاته.
وسرعان ما أصبح البعد الرابع مألوفاً في الخيال العلمي كاتجاه يجب أن تمتد فيه جميع العوالم المتوازية، وأصبح أداة سهلة مهمة بمقتضى الربط بينه وبين تلك الفكرة.
حملات التصيد الحادث بين الأبعاد تصور في قصص مثل (آثار أقدام النمر) عام 1951م لألن نورس، و(حمار وحشي مخطط ومغبر) عام 1954م لكليفورد سيماك.
إمكانية أن الإدراك الحسي للإنسان يمكن توسيعه بواسطة التطور أو الثقافة ليستوعب البعد الرابع والأبعاد المكانية الأخرى طرقت في الرومانس العلمي مثل (الإنسان الآلي) عام 1923م لإي. في. أودل، وقصة الخيال العلمي (هل كان ميمسي بوروغفيس) عام 1943م.
الخرافات التعليمية في (السيد تومبكنس في أرض العجائب) عام 1939م لجورج غاموف تتضمن محاولات مهمة لجعل الزمان – المكان رباعي البعد ممكن الوصول إليه تخيلياً.
ثمة محاولات بارزة أخرى لوصف أبعاد أعلى في لغة أدبية تتضمن (الماثيناوتس) عام 1964م لنورمان كاغان، وأعمال كثيرة بقلم رودي روكر منها (الضوء الأبيض) عام 1980م، وبعض القصص القصيرة في (فرانتز كافكا الخامس) عام 1983م و(كرة الجنس) عام 1983م و(عالم فضائي : رواية عن البعد الرابع) عام 2002م.
وتصور (حديقة الحيوانات الفائقة) عام 1987م لإيان واطسون مخلوقات رباعية البعد مبتكرة كأعمال فنية.
من ناحية أخرى، فإن نظرية البعد الرابع أصبحت تافهة وبسيطة بعد اقتراحات من قبل الفيزيائيين النظريين بأن الكون قد يكون قابل للتفسير فقط بلغة عدد أكبر بكثير من أربعة.
ونسخ متنوعة من نظرية الأوتار قد وسّعت العدد المحتمل إلى تسعة، أو أحد عشر أو حتى أكثر.
إذْ تقول نظرية الأوتار, أن المادة مكونة من أوتار صغيرة من الطاقة, والتي تعد القوى الكهرومغناطيسية والجاذبية كقوى واحدة, تنطوي على وجود أحد عشر بعداً (الأبعد الثلاثة المكانية إضافة إلى الزمن وسبعة أبعاد أخرى). هذه النظرية لا زالت قيد التطوير ولم تثبت بعد.
كما تقول هذه النظرية بأن عالمنا المكون من ثلاثة أبعاد متجاور مع عوالم مشابهة أخرى وهو ما يكوّن البعد الرابع, كما أنا عالمنا ثلاثي الأبعاد يتكون من عوالم لا نهائية ثنائية الأبعاد.
يأمل القائمون على نظرية الأوتار أن يتوصل تقدم العلم إلى إثبات النظرية. تثبت النظرية عن طريق تسريع جزيئين صغيرين (بروتونين) وعند تصادمهما ببعضهما سينتج عن هذا الاصطدام جزيئات أصغر من ضمنها الجسيم الافتراضي الذي أطلق عليه اسم غرافيتون Graviton. الغرافيتون عبارة عن جسيم افتراضي يتأثر بالجاذبية وله خاصية وهو التنقل بين العوالم ثلاثية الأبعاد. فإذا اصطدم بروتونين ونتج عن الاصطدام خروج الغرافيتون فإن ذلك سوف يثبت وجود البعد الرابع.