فقد الوطن العربي شاعراً كبيراً متميزاً، هو الأمير بدر بن عبدالمحسن آل سعود.
فارس من فرسان الشعر، ترجّل عن صهوة جواده، تاركاً إرثاً محفوراً في الضمائر بِرقّة معانيه الأصيلة وسلاسة ألفاظه اللطيفة، التي جعلت من (اللهجة الخليجية) النقية نبعاً نابضاً يتدفق من قلب صحراء الجزيرة العربية إلى بقاع العالم العربي والناطقين بالعربية.
كان شعره يسيراً نقياً كالماء الزلال وأصيلاً كنفائس الخيل العربي الأصيل.
رحم الله الفقيد، وأبدله عن هذه الدنيا جنة الخلد، وأسكنه فسيح نعيمها، وجعل السكينة والرضوان وشاح محبّي شخصه وشعره وأخلاقه وكل من عرفه من قريب أو بعيد..
نِعْم الرجل ذلك الشاعر المتميز الذي حاز على احترام متابعيه، والذي أثرى الشعر بقصائده التي انسابت إلى عتبات الرقيّ النادر في إطار الصياغة واللفظ والمعنى.
أمّا الأسلوب فقد كان له منقاداً، بشكل لا يليق إلّا لِمثله شاعراً مرهف الحس جليل المعنى.
للفقيد الرحم، وللشعر من بعده ومض نوره الذي لن ينضب.
ومن أجمل أبياته الشعرية التي نسج بها كلمات الحب في ضفيرة شعرية زيّنت شعر الجزيرة العربية قوله:
قلت المطر.. قالت من اليوم ديمه ** ما به رعد.. لأبرق.. ما غير هتان
همس النديم اللي يعاتب نديمه ** صوت المطر.. كنه تعاتيب خلان
أما من قصائده الشفيفة فما أجمل الحزن في قوله:
يا أطهر الحزن.. لو كان القصيد ** يكشف الغمْ عن بدر التمام
لَكتِبْ الشمس شعرٍ في سناك ** وامحي من السما عجِّ وكتام
وفي قصيدة "قادر الله" يقول:
قادر الله يا القضيّ.. قادر الله
نلتقي فِوسْط الطريق
والمحبّة.. هي من الله حطّها وسط القلوب.
وفي قصيدة "صداقة بالنظر" يقول:
علّمتني إن الحبيب دايم حبيب، مهما هجر.
وفي قصيدة "شمس الورق" يقول:
أنا بظهر من سكوتي ** قبل شمس الورق ما تغيب
قبل حبر الليالي يجف ** وأنا ما غنّت جروحي
ويقول في قصيدة "أنا النخيل":
أنا النخيل وشوقي أظلال وعذوق ** وأنا السحاب اللي على الناس جايد
كفّي بجبين الشمس والليل مفروق ** وكنّي بدمعٍ ... فوق خدّه نضايد
وقال في قصيدة "إلّا الهوى":
أبعتذِرْ.. إلّا الهوى ** ما للهوى عندي عذر
وفي قصيدة "سافري":
سافري، ولا تعِبْتي وحسّيتي بضجر ** خلّي الشوق لديارك جناح
ارجعي في ابتساماتك عذر ** مثل ما الدمع في عيني سماح
وأما قصيدة "عضّ النواجذ" فقد جاء فيها قوله:
الله خلقنا.. تلفح وجيهنا لفح ** حرّ السمايم في عزيز المطالب
سِوى رضينا او طفح كيلنا طفح ** عضّ النواجذ طبْع والطبع غالب
وفي قصيدة "انشد البحّار":
جيت أنا من نجد في قلبي الرياض ** وفي عروقي التّهم والبيت الأمين
جيتكم والعشق يطرحني سؤال ** هو صحيح الشط له صدر ويدين
وقال في قصيدة "فاتر اللحظ":
يا غريب الدرب وأشواقك شعر ** العنا في القلب والشكوى نظر
يا ظما المجروح ما بعدك ظما ** يا سواد العين.. والدمعة شجن
وفي قصيدة "أنا رقم" يقول:
أنا رقم ومثلي كثير
يجمعنا حبّ الهاوية وقاماتنا متساوية
نركض على ورق الحياة لين ننمحي
ما شافنا انسان ولا سمعنا انسان
اكتبني يا النسيان.. أنا رقم
وفي قصيدة "آه يا الجراح" يقول:
لا جيت أنا أسامحك ** تبكي الجراح ما ودّها
مشتاق ودّي أصافحك ** عيّت يدي لا مدّها
وقال في قصيدة "أوراق الزمن":
ادفن يدي.. تحت الثرى ** واسقيها من جفني أرق
يذبل ما بين أصابعي ** عشب وورق
ما توصل عروقي الثرى ** ولا تشرب عروقي النجوم
نصفٍ يموت ونصفٍ درى ** إنّه يموت يا سيّدي
وقال في قصيدة "استبد":
واتركيني انصهر في الشمس
وإلا ارتعد في البرد
لكن استبدّ.. واسترد ثيابي
من الريح ولحمي من الشوك
.. وابتعد، وابتعد
وأمّا دواوينه المنّضدة فمنها:
ديوان: ما ينقش العصفور من تمرة الغدق 1989.
ديوان: رسالة من بدوي 1990.
ديوان: لوحة ربّما قصيدة 1996.
ديوان: ومض 2010.
ديوان: هام السحاب.
ديوان: شهد الحروف.
هذا عدا مساهماته الوطنية بقصائد مهرجانات الجنادرية الخالدة، وعلى رأسها قصيدة: فوق هام السحاب.
أما نجمات قصائده رغم فيض روائع القصائد مع كبار الملحنين وعمالقة مؤدي الأغاني السعوديين فمنها:
*(زمان الصمت) للفنان طلال المداح.
*(ردّي سلامي) للفنان محمد عبده.
* (لا مَنْ غديتِ شمس) للفنان عبادي الجوهر.
ومن أجمل نبضاته الشعرية تلك الأبيات التي يستلهم فيها الرحيل:
ذبلَتْ أنوار الشوارع
وانطفا ضيّ الحروف
ما نشدْت الشمس عن حزن الغياب
علّمتنا الشمس نرضى بالرحيل.
رحم الله الشاعر الفقيد.
يا من رحلتْ شمس يومك، ولم ترحل شمس شعرك.
إنًا لله وإنّا إليه راجعون.