" ألفنا أن نعتبر التصاغر أدبا ، والتذلل لطفاً ، والتملق فصاحة ، واللكنة رزانة ، وترك الحقوق سماحة ، وقبول الإهانة تواضعاً ، والرضا بالظلم طاعة ، ودعوى الاستحقاق غروراً ، والبحث عن العموميات فضولاً ، ومد النظر إلى الغد أملا طويلاً ، والإقدام تهوراً ، والحمية حماقة ، والشهامة شراسة ، وحرية القول وقاحة ، وحرية الفكر كفراً ، وحب الوطن جنوناً "
عبد الرحمن الكواكبى ـ طبائع الاستبداد. يحل علينا في أكتوبر القادم ربع قرن من حكم الرئيس محمد حسنى مبارك وهي الفترة الزمنية الأطول بين من تولوا الحكم في أعقاب ثورة يوليو 1952 سواء الرئيس عبد الناصر أو الرئيس السادات.وربع قرن من الحكم فترة كافية للتقييم والتمحيص واستخراج النتائج والعبر من أجل مستقبل الأجيال القادمة في مصر المحروسة. توجد لدينا عدة جوانب يمكن من خلالها تقييم الحقبة المباركية وهى التي احتلت المساحة الأكبر من الكتابات على مدى العقود الثلاث الأخيرة.
لقد أهتم العديد من الباحثين والمهتمين بتقييم السياسة الخارجية للرئيس مبارك بدء من عودة مصر للجامعة العربية ، وعودة الجامعة العربية إلى مقرها في قلب القاهرة وضعف وجودها وتأثيرها ومروراً بالموقف المصري من حرب الخليج الأولي وإرسال القوات المصرية لتغطية القوات الأجنبية وإسقاط دفعة كبيرة من ديون مصر الخارجية التي تضخمت في مطلع التسعينات. ثم دعم مسيرة التسوية واتفاقات أوسلوا بين الفلسطينيين وإسرائيل مرورا بمشروع مصطفى خليل وبيريز الذي تبلور في الشرق الأوسط الكبير ولعب النظام المصري دور عراب العلاقات مع إسرائيل وهرولة الدول العربية نحو تل أبيب برعاية مصرية رغم حصار الرئيس عرفات ثم إنهائه ، ثم الموقف من احتلال العراق والصمت الطويل على ما يحدث في جنوب السودان الذي كان على وشك التمزق وتفجر مشكلة مياه النيل.
لقد تحولت مصر خلال ربع قرن من دولة محورية إلى دولة "هفية" يمكن لدولة قطر التطاول عليها وعلى شعبها ، وتحول النظام الإقليمي العربي من نظام الدول الكبرى مصر وسوريا والسعودية إلى نظام الدول الصغرى كلبنان وقطر والبحرين وتونس.وتحولت مواقف الاستعمار العالمي من إزكاء الصراعات العربية إلي التدخل المباشر للسيطرة على منابع النفط وضمان ضخ البترول للمراكز الاستعمارية. وسيطرت الشركات الدولية النشاط على تسير العالم فشاهدنا كيف يستقبل رئيس الدولة بيل جيتس والوليد بن طلال ورؤساء الشركات الكبرى وكيف يشارك في توقيع العقود بين الحكومة وهذه الشركات أو بينها وبين الشركات المحلية. وكيف يتوجه الرئيس بنفسه لحضور المنتدى الاقتصادي في دافوس والتي تضع فيه الشركات الكبرى رؤيتها لتسيير الاقتصاد العالمي. ولقد خضعت السياسة الخارجية للكثير من الاهتمام والتقييم على امتداد الحقبة المباركية ، بما يحفز على استبعادها من التقييم والاكتفاء بالجهود التي تمت في هذا المجال.
وإذا تابعنا بعض هذه الجهود لن نجد تعبيرات عن وضع السياسة الخارجية المصرية أفضل مما كتبه السفير يحيي زكريا نجم سكرتير ثاني السفارة المصرية بكاراكاس في خطاب استقالته إلى وزير الخارجية حيث قال :
" لقد تحولت سياسة مصر في السنوات أو العقود الأخيرة - ومنذ منتصف السبعينات تقريبا - إلى سياسة غريبة عنا تبتعد عن ثوابتنا التاريخية والقومية والدينية والتقليدية بل وقد تتنافى أو تتخاصم معها أحيانا، وتقترب من مشاريع وسياسات غريبة عنا، حتى أصابنا اليأس والإحباط وأحيانا الصدمة والذهول من بعض هذه المواقف، وأصبح فهمها أو استيعابها فضلا عن التعبير والدفاع عنها عبئا ضميريا ثقيلا ننوء بحمله، فمن ناحية لا نريد التقصير في عملنا ومن ناحية أخرى لانريد أن نخالف أيضا ضمائرنا ومعتقداتنا ، وأسوق بعض الأمثلة على ذلك من علاقات واتفاقات ثنائية ودولية مع أطراف إقليمية ودولية لاتعبر عن مصالح مصر الأصيلة وتشكل أحيانا خضوعا لضغوط غير مبررة، مثل:
التوقيع على تجديد اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية مع استثناء ترسانات أخرى، واتفاق الاستثناء من اختصاص المحكمة الجنائية الدولية التي رفض التوقيع علي مثله دول صغيرة فقيرة أكثر قربا واحتياجا للولايات المتحدة مثل دول الكاريبي لكنها صمدت أمام الضغوط وتمسكت بالمباديء بينما وافقت مصر صاحبة أعرق الحضارات عليه، ومؤتمرات بدءا من قمة شرم الشيخ لمكافحة العنف في نهاية التسعينات والذي تم تغيير عنوانه أكثر من مرة واختطافه ليتحول إلى أداة لضرب مفهوم المقاومة الوطنية والفلسطينية على وجه الخصوص، ومؤتمر شرم الشيخ الذي حضره قائد جيوش الغزاة الرئيس الأمريكي في 2003م. ولم يمض شهرين على اجتياح العراق ومازالت دماء الشهداء على الأرض رطبة طيبة ومازالت دموع الأمهات الثكلى في العيون تحت حجة الحصول على تنازلات وإعادة ترتيب الأوضاع لكن هيهات من ذلك... ، وانتقاد للهرولة ونحن نمارسها، وصمت أشبه بالموات فيما يتعلق بما يجري في السودان وفي القرن الإفريقي وفي جنوب لبنان والأراضي السورية المحتلة. وجاء غزو العراق ليقصم صدق الموقف المصري ويصيبه في مقتل، من عجز وشلل عن التحرك لصياغة موقف فاعل وتضامني، مرورا بدفن رؤوسنا بالرمال قبل وأثناء وبعد الاجتياح وصولا إلى إدارة الظهر للمقاومة الوطنية العراقية بما في ذلك مؤتمر شرم الشيخ الأخير حول العراق في نوفمبر 2004م، والاستسلام للأمر الواقع على صعيد محافل الشرعية الدولية، حتى صار من ينشط في الدفاع عن العراق قبل وبعد الغزو دول من الشرق والغرب. وكانت الطامة التصريح بان " خروج القوات الأجنبية من العراق سيؤدي إلى حرب أهلية "، واتساءل هنا لماذا إذن عقدنا اتفاقية الجلاء إذا كان الاحتلال بردا وسلاما ولماذا خضنا الحروب للدفاع عن أرضنا، ولماذا تحررت شعوب العالم من فيتنام إلى الجزائر، السيد الوزير نحن لم نعش بداية كارثة فلسطين لكننا شهدنا تفاصيل كارثة العراق وكيف كان الخذلان والسلبية ومااشبه الليلة بالبارحة.
السيد الوزير لم نعد نستطيع أن نصافح أعداءنا لدواعي العمل، في الوقت الذي يذبحون فيه إخواننا ويستبيحون بلادنا، لذا أرفض أن استمر في هذا العمل لكي لا اتحول إلى منافق، وكان يمكنني الاستمرار في قبض راتبي وتخدير الضمير أو قتله لكنني ارفض أن أكون طبيب إجهاض يتقاضى أجرا ليقتل ثوابت وأحلام الأمة والوطن، كما ارفض أن أقف صامتا وأنا أرى الأم تحتضر والسفينة تتجه إلى الهاوية" . هكذا وصف السيد يحيي زكريا نجم حال السياسة المصرية في عهد مبارك .
كما نشر الأستاذ محمد عبد الحكم دياب مقالاً حول " مخاطر استمرار الرئيس مبارك في حكم مصر " وجاء ضمن المقال :
الخطر المركزي، أساس كل الأخطار، هو استمرار نهج التفريط في الاستقلال الوطني، بكل ما ترتب عليه من قبول بالتبعية، والتخلي عن كل مكمن قوة لدي مصر، بحكم الوزن والموقع والدور، أو باعتبارات الظروف التاريخية والحضارية، واستقرار هذه السياسة اقتضي إعمال السلطة لسوط الأمن تلهب به الظهور وتفرض العزلة، كما أن قبول الرئيس حسني مبارك بالتبعية للولايات المتحدة، جعل السياسة الرسمية المصرية تواجه الضغط عليها بمكافأة من يمارسون الضغط، ومن الطبيعي أن يكون ذلك علي حساب دور مصر العربي والإقليمي، ومن الطبيعي، كذلك، أن يمتد هذا إلي المجال الدولي فخف وزنها العالمي، وهذا زاد من إضعاف القدرة علي معالجة المشاكل الإقليمية، والحجة الجاهزة هي الالتزام بـ شرعية دولية تقوم فيها السياسة المصرية بدور محامي الشيطان الذي استبعد أي إمكانية لمعالجة المشاكل من خلال التضامن أو التنسيق العربي.
تأمركت وتصهينت كافة معالجات المشاكل. فحذا كثير من العرب حذو الرئيس حسني مبارك، هرولوا نحو أوروبا وأمريكا والدولة الصهيونية، مفضلين التعامل المباشر مع شرعية دولية عميت تماما عن الحقوق العادلة في فلسطين وغير فلسطين. ولسان حال الرئيس حسني مبارك يقول علمناهم الشحاتة سبقونا علي الأبواب ، كما يقول المثل الشعبي المصري الشهير، وهكذا وجد الرئيس مبارك من يزايد عليه من العرب والمسلمين وينافسه في مجالات الأمركة والصهينة، ولم يعد الأمر حكرا عليه. ويحلل الكاتب موقف الرئيس حيث يرى أن سببه حماسه الزائد لاقتلاع أي نبتة مقاومة مشروعة للاحتلال والاستيطان، وحصارها وملاحقتها، فلحظة قبوله الاندماج، بلا شروط، في حلف اجتثاث المقاومة في فلسطين والعراق، قبل ذلك باعتباره إرهابا، فتحققت نجاحات سلبية ، صبت، في النهاية، لصالح الغزو الأنجلو أمريكي للعراق، وعززت الضغط الأمريكي والنشاط الأوروبي المكثف لوقف الانتفاضة الثانية في فلسطين، وتم كل ذلك بدعوى دعم القضية الفلسطينية، ومساعدة الشعب العراقي في الخروج من محنته.
هذا على صعيد السياسة الخارجية التي يري بعض المصريين أنها المجال الوحيد الذي نجح فيه الرئيس مبارك الذي أفرج عن عزام ولعب دور رئيسي في جر القوي الفلسطينية إلى مائدة المفاوضات ، ولعب دور الغطاء العربي للغزو الاستعماري للعراق .
أما على صعيد الاستبداد السياسي والعداء للحريات والحكم بالطوارئ وتزوير الإرادة الشعبية فقد تفوق النظام على نفسه من حيث وجود تعددية سياسية شكلية ومجتمع مدني ضعيف ومحاصر وتحويل مصر إلى معتقل كبير تحكمه حالة الطوارئ. وقد وجهت صحيفة واشنطن بوست انتقادات شديدة للرئيس المصري ، وقالت في افتتاحيتها تحت عنوان "رجلنا في مصر" ، إن مبارك يشكل اكبر عقبة أمام مبادرة واشنطن للديمقراطية المعروفة باسم الشرق الأوسط الكبير. وقالت الافتتاحية: إن مبارك زعيم شمولي حكم بلاده بقانون الطوارئ لثلاثة وعشرين عاما، وان سياساته القمعية شملت قمع الحركات الإسلامية ما أدى لمساعدة تنظيم القاعدة الذي يحمل عدد من قادته الجنسية المصرية. وأضافت: لقد شن مبارك حملة عنيفة لعرقلة أو إضعاف خطة الإدارة الأمريكية لتشجيع الليبرالية السياسية في المنطقة هذا العام، واعتبرها فرضا من الخارج، مدعيا أنها لا يمكن أن تحدث قبل التوصل لتسوية للنزاع الفلسطيني الاسرائيلى، ومجادلا بأن المستفيدين الوحيدين منها سيكونون المتطرفين الإسلاميين ومصرا على أن مصر ديمقراطية على أي حال، وتصبح ديمقراطية أكثر باستمرار. واعتبرت الصحيفة أن بوش ومساعديه يشعرون بالاستياء من صد مبارك لمبادرة الديمقراطية، إلا أن الرئيس الامريكى، بالرغم من ذلك قرر تكريم مبارك باستقباله في مزرعته الخاصة في ولاية تكساس، وسيقول عنه انه شريك لأمريكا في الحرب ضد الإرهاب. ( جريدة العربي ـ 18 إبريل 2004 ).
لقد حظيت السياسة الخارجية المصرية خلال الربع قرن الأخير بالعديد من الكتابات والدراسات وكذلك الإصلاح السياسي والدستوري حيث كانت قوي المعارضة تطالب بإجراء إصلاح سياسي شامل لذلك خرجت الحركة المصرية من اجل التغيير لتطالب بإجراء إصلاحات حقيقية وضمت القطاعات الفاعلة في الحركة السياسية المصرية ولكن النظام اكتفى بتعديل المادة 76 من الدستور باعتبارها أقصى تنازل يمكن أن يقدمه وبما يسد كل منافذ الإصلاح الحقيقي.وليؤكد في حواره مع عماد الدين أديب على أهمية استمرار حالة الطوارئ .ولكن التحركات الشعبية بدأت سواء من خلال حركة " كفاية " أو من خلال النقابات المهنية المجمدة أو من خلال أساتذة الجامعات والقضاة.
ففي تحرك هام يوحي بتأييد المطالب الشعبية لانتخابات نزيهة في مصر، هدد مئات من القضاة المصريين بمقاطعة الإشراف على الانتخابات الرئاسية المقبلة إذا لم يوكل إليهم حق الإشراف الكامل على العملية الانتخابية. إثر الاجتماع الذي عقد في الإسكندرية، يوم الجمعة 15/4/2005، وضم حوالي 1,200 قاض من مختلف المحافظات المصرية، صدر بيان طالب فيه المجتمعون أن يقوم القضاة بإشراف كامل على العملية الانتخابية من أولها إلى آخرها، بدءا من قبول طلبات الترشيح ، وتنظيم جداول المرشحين المتنافسين، مع ضمان المساواة والعدل بين الجميع، إلى فرز الأصوات وعدها وإعلان النتائج.
وهدد القضاة بإعاقة الانتخابات الرئاسية إذا لم تفصل السلطات بين الجهاز التنفيذي والقضائي، ودعوا إلى تعديل القوانين بشكل تتنازل فيه الداخلية عن سلطاتها في الإشراف على العملية الانتخابية. كما طالبوا بتأمين استقلال حقيقي للسلطة القضائية بحيث تتمكن من حماية الحريات وحقوق الإنسان.
وقال القاضي حسام الغرياني، وهو أحد وجوه هذه الحركة الاحتجاجية البارزين، إن ما يريده القضاة هو "جهاز قضائي مستقل فعلا يمكن لهم من خلاله حماية الحريات وحقوق الإنسان".
كما أعرب المستشار الخضيرى عن أسفه لموقف وزارة العدل موضحا أن هذا الموقف ضد مصلحة الوطن، وشدد على أن مصلحة الوطن تكمن في إجراء انتخابات حرة تسفر عن نتائج حقيقية في اختيار الشعب لحاكمه، ونتمنى من الحكومة ألا تكابر لأنه إذا كانت هناك خشية لديها من وجود ضمانات نزيهة فإنها بالطبع تعتزم فعل شيء ضد إرادة الناس. كما يرى المستشار هشام البسطويسى بأن الانتخابات تنسب دائما للقضاة وهذا شرف ولكنهم يتمنون أن يكون هذا النسب شرعيا وصحيحا ولكن للأسف تنسب لهم الانتخابات في حين يعانون من أن القانون لا يتيح لهم إشرافا كاملا وحقيقيا على الانتخابات كما أن قانون السلطة القضائية يحرمهم من استقلالهم. ثانيا أن يتم تعديل قانون السلطة القضائية ليحقق استقلال كامل للقضاة موضحا أن وزير العدل لديه صلاحيات ووسائل تتيح له التدخل في عمل القضاة ويستطرد بأن هذه الصلاحيات تزيد على 15 اختراقا لاستقلال السلطة القضائية. ( جريدة العربي 24 إبريل 2005 ).
كما كتب السفير أمين يسري مقالاً في جريدة العربي الناصري بعنوان " لا إصلاح سياسي في ظل النظام الحالي" حيث جاء به " ومن بين الأسباب أيضا التي تجعل الإصلاح السياسي مستحيلا - ناهيك عن تعديل الدستور - هو الفساد الذي أصبح مؤسسة قائمة لوحدها. ويكفى تدليلا على ذلك تقرير النيابة الإدارية الأخير الذي أكد في حيثياته أن معدل جرائم الفساد في مصر أصبح جريمة كل دقيقتين أي أعلى من معدل المواليد اى 53 قضية كل ساعة بما يشكل صورة مخيفة. ناهيك عن قضايا فساد الكبار التي لن يتم أبدا ضبط الجناة فيها.. إن مؤسسة الفساد هذه أصبحت عائقا أمام اى إصلاح سياسي أو اقتصادي ومن اى نوع ولون. وهذه المؤسسة طبعا تحرص على بقاء الحال على ماهو عليه!!
تاريخيا لم يحدث أن تنازل ملك أو رئيس عن سلطة بمحض اختياره. فالعطش للسلطة نهم لا يعرف الشبع. وإذا كان سنجور قد تنازل رغم مكانه كقائد عظيم وشاعر كبير أسهم في تحرير بلاده.. وإذا كان سوار الذهب قد تنازل هو الآخر بمحض إرادته. وإذا كان مهاتير محمد قد تنازل بعد أن جعل بلاده تحتل مكانة رفيعة في قائمة الدول الصناعية الثرية فان ذلك جاء استثناء لا يقاس عليه. خاصة في عالمنا الثالث عامة والعربي خاصة.
القاعدة عندنا أن الحاكم هو مبعوث العناية الالهية. وهو يبقى في سدة الحكم ما بقى على قيد الحياة حتى وان أصبح بفعل العمر والسنين عاجزا عن مباشرة واجبات الرئاسة ومتطلباتها.. بل في عالمنا العربي ابتدعنا نظام توريث السلطة للأبناء..... وكأن البلاد عزبة ممتلكات خاصة. ولعله من هنا ويأسا من قيام نظام ديمقراطي صحيح أصبح البعض يتطلع إلى إصلاح سياسي يأتي من الخارج ويفرض فرضا ولو بقوة السلاح...!! ولعله من هنا أيضا أصبحنا نعرف سر العلاقة الاستراتيجية والخاصة التي تربط بعض حكام أقطار عالمنا العربي بالاستعمار الصهيوني والأمريكي. لقد أصبح شيطان الاستعمار هو الملاذ للمحكومين وللحاكمين على حد سواء.. ويالها من مفارقة.. ويالها من كارثة. ( جريدة العربي ـ 24 أكتوبر 2004 ).
لذلك رأيت أن أركز البحث على الإصلاح الاقتصادي وذلك من خلال أربعة محاور على النحو التالي :
المحور الأول ـ المفاهيم النظرية التي تحكم الإصلاح الاقتصادي.
المحور الثاني ـ تطور أداء مختلف القطاعات في ظل الإصلاح الاقتصادي .
المحور الثالث ـ تطور مؤشرات الأداء الاقتصادي .
المحور الرابع ـ بعض الظواهر الاقتصادية المصاحبة لهذه السياسات.
إن الخلاف مع الرئيس مبارك ليس خلافاً شخصياً وليس خلافاً شكلياً بل خلاف على جوهر السياسات الاقتصادية التي نفذها الرئيس مبارك على مدي ربع قرن وهى فترة كافية لإجراء تقييم موضوعي لهذه السياسات وهى تعتمد بشكل أساسي على البيانات المعلنة والرسمية والتي لا يمكن التشكيك بها ، إنها خلاف على التوجهات الرئيسية وصراع من أجل مستقبل مصر ومستقبل الأجيال القادمة ، هو خلاف حول طبيعة التنمية التي تحتاجها مصر ومن الذي يقود هذه التنمية ؟!
لقد قدم العديد من المفكرين الاقتصاديين المصريين العشرات بل والمئات من الدراسات الهامة حول هذه القضية سواء من بين صفوف اليسار مثل الأساتذة المرحوم الدكتور فؤاد مرسى والدكتور رمزي زكي رحمهما الله وكذلك إسهامات أستاذ الأجيال الدكتور إسماعيل صبري عبدالله والدكتور سمير أمين والأساتذة الدكتور إبراهيم العيسوى و الدكتور جودة عبد الخالق و الدكتور محمد دويدار و الدكتور جلال أمين وعشرات المفكرين الاقتصاديين الليبراليين ومنهم الدكتور حازم الببلاوى والدكتور أحمد الغندور والدكتور مصطفى السعيد .
كما أن التقارير المقدمة للجهات الرسمية سواء مجلس الشورى أو مجلس الشعب أو المجالس القومية المتخصصة أو تقارير متابعة الأداء مثل تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات والرقابة الإدارية ، وتقارير المراكز البحثية المتخصصة مثل معهد التخطيط القومي والمركز القومي للبحوث والمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية ومركز البحوث الزراعية وعشرات المراكز الأخرى كلها تقدم صورة واقعية عن أداء الاقتصاد المصري خلال الربع قرن الماضي .
ولعل الدراسة الموسوعية التي أنجزها منتدى العالم الثالث بعنوان " مصر عام 2020 " تعطي صورة صادقة عن الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسيناريوهات المتوقعة في المستقبل . إضافة إلى تقارير المنظمات الدولية كالأمم المتحدة ووكالاتها المختلفة وكذلك صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير كلها تعطي مؤشرات عن أداء الاقتصاد المصري مقارناً بباقي دول العالم.
إنني سأحاول إن أنقل بعض الحقيقة في محاولة للتدقيق والتقييم لما يسمونه الإصلاح الاقتصادي فإن أخطأت فلي أجر المحاولة والاجتهاد وإن أصبت فلي أجران.