جاء هذا اللقاء فى توقيت صعب، حدث ما حدث فى العالم من أحداث دامية تسبب فيها قلة مارقة على كل الأعراف الإنسانية والأخلاقية جعلت العالم كله يقف فى خندق واحد دفاعًا عن حضارته للقضاء على هذه القلة التى لا تمت لأى دين لأن الأجرام فى طبيعتها.
فليس هناك دين يدعو إلى القتل أو الترويع أو السطو على مقدرات الغير أو احتلال أراضيه او العودة بالبشرية إلى عصور الظلام. وأنا أشكر لكم هذه الفرصة التى أتحتموها لي لكي أتحدث معكم مجيبًا على عدة أسئلة طرحتها على نفسي.
فأنا فرد من أفراد الأسرة الدولية .. أساهم فى بناء الأسرة بالعمل الجاد المخلص وبالثقافة الشاملة التى تجعلني فى كل المجالات الثقافية والدينية، فقد قرأت فى مختلف الديانات الطاوية والكونفوشيوية واليهودية والمسيحية والإسلام، ولم أجد فى هذه الديانات ما يدعو للتخلف ، أو القتل، أو السلب او التدمير، ولكنها جميعًا تدعو إلى انضباط النفس البشرية وتهذيب سلوكها وتخليصها من العقد النفسية. كما تدعو أيضا إلى الحب والإيثار والتعاون والتواضع، تدعو الى البناء لا الهدم، الى المساواة لا فرق بين دين أو جنس أو لون.
ولكن ما نراه يحدث فى العالم من أحداث بين الدول وبين الأفراد وما سيحدث أيضًا مرجعه هو عدم الفهم الحقيقي لرسالة السماء .. مما ساعد الإنسان على الشعور بالاغتراب وهذا ما جعله يقف منعزلًا ومتفرجًا على ما يدور حوله .. بحيث يتقوقع ويقف متلقيًا فقط لما تبثه الميديا الإعلامية التى لا تعبر عن أمال وأحلام البشرية ولكنها تقتصر على لغة خطاب لا يساعد الإنسان على معرفة نفسه ومعرفة الآخرين، ولذلك فإنى أكمل الدور الإعلامي لإعلامكم عن الآخرين حتى تتلاشى الحدود والمسافات بين البشر.
فأنا ممن يبغضون تعالي جنس على جنس أو بشر على بشر أو حضارة على حضارة.
لأن البشر الأول هو الذى وضع أول لبنة فى بناء الحضارة الأولى، وأن البنائين والصناع وتكاتف الأيدي والتلاحم هو الذى صنع الحضارة، وأن الدين قد ساهم أيضًا فى بناء الحضارة كما كان للأدب أيضًا دوره فى هذا البناء. وكذلك الفن والثقافة والتقاء الأفكار والثقافات والفنون هى التى صنعت مزيج أى حضارة من الحضارات.
وإذا نظرنا إلى الحضارة الحديثة فى أمريكا فإنى أرى أن مؤسسوها الأوائل هم من اكتشفوا هذه الأرض وهم من هاجروا إليها من أوروبا ومختلف أنحاء العالم ، وكذلك الأفارقة الذين ساعدوا فى بناء هذه الحضارة بسواعدهم القوية ومجهودهم الوافر.
ناهيكم عن الحضارات القديمة ( البابلية والآشورية والفرعونية واليونانية والمسيحية والحضارة الإسلامية).
كل هذه الحضارات قدمت زادًا للبشرية متمثلًا فى الفكر والثقافة والطب والهندسة والعلوم والعمارة. ومازالت أثار هذه الحضارات شاخصة باقية تزخر بكل آيات الفن العظيمة التى لا نستطيع الآن أن نصنع مثلها، فلا تستطيع دولة أن تبنى هرمًا أو عجيبة من عجائب الدنيا. ولكن تحولت الحضارات إلى طرح إليكتروني يتعامل مع آلات معقده يستخدمها الإنسان فى طرح نفسه فقط بما يحمله من ثقافة خاصة دون النظر والبحث فى ثقافة الآخرين ومعرفة أى شيء عن واقعهم ومشكلاتهم وتراثهم وثقافاتهم مما جعل الإنسان يعيش فى جزر منعزلة متوجسًا من الآخرين ومستوحشًا فى عزلته، ومتشككًا فى النوايا ومتهمًا بلا دليل.
لذا وجب علينا جميعًا أن نلغي المسافات بين الأفراد وبين الشعوب ونعيش معهم ونفهم بوعي أساليب عيشهم وتفكيرهم وتراثهم الأدبي والثقافي والديني ونقف على مدى التباين فى هذه الثقافات ومعرفة أسباب اختلافها وانعكاسها على السلوك البشرى.
وأنا ككاتب لا أبغي من وراء طرح ثقافتي إلا أن أقدم للناس غذاء فكريًّا يساعد على بناء الفكر، وكذلك أغوص فى ثقافات الآخرين كي أعرفها، وأعيش الكاتب وكل الشخصيات التى تعيش فى الواقع، أو التى أنسجها من خيالي لأتعرف على ظروفها الاجتماعية لكي أرقى بشخوصي إلى الشخصية المتكاملة التى تستطيع أن تقف فى الصف البشرى متأثرة ومؤثرة لتجعل المتلقي متأملًا فى طبائع البشر، ليضع نفسه مكان هذه الشخصية ليرى كيف يتصرف، وكيف يتفاعل مع الآخرين.
وإذا كان الاختلاف فى البشر سمة رئيسية فى طبيعة الخلق ( اختلاف فى الشكل ، والموقع ، والطبيعة ، والبصمة، واللغة) إلا أن هذا الاختلاف شيء مهم فى إثراء الحياة فى تنوعها، لأن البشرية إذا صارت رجلًا واحدًا او امرأة واحدة فسوف تصبح هذه الحياة خالية ليس فيها إلا هذا الرجل وهذه المرأة.
إننا جميعًا نعمل ونتعلم ونخرج من نطاق حدودنا إلى حدود الآخرين، ومن ذواتنا إلى ذات الآخرين لنطبع اللغة والمعرفة والثقافة حتى تكون هذه الثقافة ثقافة متعددة فى كل الاتجاهات.
لأننا إذا نظرنا إلى هذا الكون نجده ثريًّا فى الاختلاف . فالمياه مالحة وعذبة ، والجبال قاسية وصلبه ولينة هشة ، والكواكب بأعدادها الهائلة مختلفة فى اللون والحجم والطبيعة، والسحب ملقحة وغير ملقحة، والشمس والقمر والليل والنهار وغيرها من مفردات الكون، كالتنوع فى الزراعات والحيوانات والطيور والحشرات، إنما هى صفحة رائعة جعل من اختلافها منظومة متناسقة لأنها ضمت فى عقد فريد ، وحبكة رائعة بحيث لا يرى الإنسان ان بينها تنافر من نوعا ما ولكن يراها لوحة جميلة وكذلك البشر" تنوعهم واختلافهم" قد يرسم لوحة رائعة تثري الحياة وتجعلها تعزف لوحة رائعة تثرى الحياة وتجعلها تعزف هارمونيكا رائعة إذا ما استلهمت من الدين أمره الرئيسي وهو " أن الله جعلنا شعوبًا وقبائل لنتعارف" وحض على أن يحب الإنسان للآخرين ما يحبه لنفسه وأن يتأمل ليعرف ، وأن يفكر ليقترب ، وأن يحب ليرقى وأن يساعد ليقوى، وأن يقف ضد الظلم ليعم العدل، وأن يتحدى الصدق حتى لا يقتات الكذب.
إننى أتحدث معكم استلهم مفردات كلامي من التراث الديني ، والأخلاقي، لم أتعصب لدين، لأننى أخذت معرفة هامة من الديانات القديمة مرورًا بكل الديانات وهذا لأني على قناعة تامة بأن الدين مصدره إله واحد أوحى إلى بعض الرسل بتعاليمه منذ آدم وإدريس ونوح وإبراهيم وموسي وعيسى ومحمد.
وأمر بأن الدين واحد لا فرق بين أحد من رسله، وكانت كل هذه الديانات تدعو بدعوة واحدة. أن لا تقتل، لا تسرق، لا تزنِ، لا تكذب ، لا تغيب عقلك ، احترم الكبير، ساعد الصغير ، احترم حقوق الجار، لا تعق الوالدين، انتصر للخير، قل الحق. هذه الخلاصة وهذا المنهج عندما التزمت به شعرت بأنى أعيش فى هذا الكون متفاعلا فيه وبه، أعمل بجد وإخلاص. أحب الآخرين.
ولذلك فإنني أدعوكم إلى حب الآخرين، فأيهما أفضل أن أحب أو أكره؟
علمني هذا أن أفكر ولا أصدر حكمًا على الآخرين إلا إذا تعرفت على ظروفهم.
علمني هذا أن لا أكون متلقيًّا فقط ولكن أستمع إلى كل ما يقال وأفكر فى مدى صدقه أو كذبه!