إن المواقف البطولية التي يبديها الشعب الفلسطيني تمثل شمعة مضيئة في ظلمات المواقف العربية المتخاذلة, وقد كان للمرأة من سفر النور هذا أوفر نصيب.
ووفق خطابنا العربي الذكوري يمكننا القول: «إن هؤلاء النسوة كنّ «أرجل» من كثيرين ممن يحملون ألقاب البطولة وأنواط الشجاعة المجانية». لم تتعرض حكومة شعبية منتخبة لضغوط خارجية خانقة وإرهاب دولي سافر كحكومة «حماس» الفلسطينية. فمع تعدد حالات الحصار التي فرضت في العقدين الأخيرين على كثير من الأنظمة غير المنتخبة، إلا أن تلك الأنظمة كانت تنجح بطريقة ما في خرق الحصار المضروب عليها عبر ثغرة تضارب المصالح الخاصة للدول الكبرى. غير أن التجربة الفلسطينية تمثل نمطاً فريداً لا نظير له, فهناك اتفاق عالمي على إحكام الحصار المضروب عليها عبر قطع المعونات الدولية وفرض رقابة على حركة التحويلات المصرفية بغية منع هذه الحكومة من تلقي أي مساعدة مالية مهما كانت زهيدة وضعيفة المفعول, وتآمرعليها مع الأغراب ذوو القربى! فليتهم كفوا عنها شرورهم كما كفوا عنها خيرهم، إذاً لهان الخطب وخفّ المصاب!
ولم يقف الأمر عند الحصار الاقتصادي، بل تعداه إلى إطلاق يد الآلة العسكرية الإسرائيلية في التقتيل والتدمير لتعاقب بذلك الشعب الفلسطيني على انتخابه هذه الحكومة في ظل تواطؤ دولي ومباركة أميركية, ووصل الأمر إلى اعتقال من أمكن اعتقاله من وزراء تلك الحكومة ونوابها البرلمانيين في بلطجة بربرية تكشف نفاق الغرب «الديموقراطي» الذي يتبنى الدعوة إلى نبذ العنف والإرهاب واحترام «الآخر» إلى غير ذلك، مما يطنطن به الطابور الخامس من مستكتبي عرب اللسان!
والحديث بالطبع عن هذه المأساة ذو شجون، غير أن المواقف البطولية التي يبديها الشعب الفلسطيني تمثل شمعة مضيئة في ظلمات المواقف العربية المتخاذلة, وقد كان للمرأة من سفر النور هذا أوفر نصيب, فعقب الاقتحام الإسرائيلي لبيت حانون بقطاع غزة لجأ الشباب الذين تصدوا لآلة الإرهاب الإسرائيلية إلى أحد المساجد وتحصنوا فيه بأسلحتهم الخفيفة. وفي هذه الأثناء كانت مظاهرة نسائية قد انطلقت احتجاجاً على العدوان الإسرائيلي على غزة. وحين علمت النسوة أن مجموعة من أبنائهم وأشقائهم محاصرون في المسجد انعطفت المظاهرة كعطفة الأم على وليدها حين يتعرض للخطر واندفعت مئات النسوة نحو المسجد، رغم الاشتباك المحتدم وقنابل الغاز التي لم تفلح في كسر إرادة النسوة, فاستشهدت منهن اثنتان وجرحت أخريات، لكنهن بعملهن البطولي نجحن في كسر الطوق الإسرائيلي وتخليص المحاصرين من مجزرة محققة! موقف كهذا جدير بالإشادة والفخر, وهو يمثل رسالة مجلجلة إلى قيادات وزعامات العالم العربي التي لا تحرّك ساكناً، وهي ترى ما يحصل من مآس ومجازر, ووفق خطابنا العربي الذكوري يمكننا القول: «إن هؤلاء النسوة كنّ «أرجل» من كثيرين ممن يحملون ألقاب البطولة وأنواط الشجاعة المجانية».
لعمري إنه من البله بمكان أن نعتقد أن هذا الموقف سيحرك شعرة في مفرق القوم, إذ يكفي ان تعرف أن حركة «حماس» لو كانت في دولة عربية غير فلسطين وتجرأت على الانتخابات وفازت بها لأعاد الموقف الجزائري عام 1992 نفسه, ومن يدري ربما منعت الحركة أصلاً من خوض الانتخابات، وتم الزج بكوادرها في غياهب المعتقلات, فكيف يأتي الدعم العربي المرتقب؟