السؤال الذي يغدو كلاسيكياً في نهاية الأعوام، وعند بدايات التاليات لها، هو ماذا تم إنجازه خلال هذه الآماد المنصرمة، والإنجاز هو صيغة التفاؤل لحصيلة النتاج، فهي كلمة أقرب إلى مفهوم "الربح" وسيادة "الوفورات" منها إلى طبيعة الحساب نفسه. وحينما يتعلق الأمر بتوظيف هذه الكلاسيكية، وتوجيه هذا السؤال عن الواقع الثقافي العربي، فإن مسألة التدقيق في حقانية هذه الآمال،وصدقية هذا التفاؤل تصبح مسألة مشروعة، في الواقع ليس فقط عند مسألة الثقافة في عالم العرب، ربما الأكثر احتياطاً هو عند مجرَّد القصد تجاه العرب!
للأسف الشديد هذا هو الواقع، وهذه هي حصيلة تجربة سنوات العقود الثلاثة المنصرمة، فلماذا يجب أن يكون العام 2007 شاذا على هذه القاعدة الذهبية مثلاً؟
المسألة ليست من نمط "جلد الذات"، ولا هي من باب اليأس، بل المسألة هي من باب ما تقوله كل من الأرقام في مجال الكم، والعبارات في مجال الكيف، وإذا كانت العملية برمتها منذ البداية، هي عملية تعداد وإحصاء، فإن كلاً من الأرقام والعبارات، تصبح الألسنة الوحيدة الفصيحة في هذه المسألة، وبهذا تقطع هذه قول كل خطيب!
إذا كان المقصود هو استطلاع الإنجاز الفردي، فمن الحق والحقيقة أن ثمة مصابيح عربية فاعلة، وهذه المصابيح الإبداعية ،لا زالت تحترق فردانياً في مشاريعها الخاصة، من أجل قضية وفكرة والتزام، بيد أنها بقيت كما هو حالها الفعلية، مشاريع فردية ومبادرات فردية عند مستوى بعض المبدعين العرب، أو حتى عند مستوى تجمعات بسيطة هنا وهناك، بقيت أيضا تحت إطار المبادرات الذاتية الفردية، بعيداً عن أي دعم أو إسناد مؤسساتي حكومي أو حتى مدني، ونائية عن تخطيط مركزي وإدارة علمية شاملة لمسألة نهوض واستنهاض الحالة الثقافية العربية.
كنا نمر على عبارة مستفزة في مقررات المجتمع العربي، وذلك على مقاعد الدراسة الثانوية ، قبل حوالي الثلاثة عقود التي أشرنا إليها آنفاً، كانت هذه العبارة تقول بأن التنمية في الدول العربية، هي " تنمية تظاهرية "، ليست تنمية حقيقية بالمرة، وتشرح هذه العبارة ذاتها بأن الذي يتم بناؤه في مجتمع يحتاج إلى مصنع معدات ثقيلة مثلاً، هو عبارة عن مصنع بسكويت ، وأن ذات المجتمع سيحتفي تالياً بأنه أنجز في الحقل الصناعي إضافة هامة هذا العام، هي مصنع البسكويت هذا!
أخشى أن التنمية الثقافية العربية إن وجدت، هي من نمط هذا النوع من التنمية التظاهرية، وخاصة تلك المتعلقة بنشاطات وزارات الثقافة العربية، وآخر دعواها هذه السنوات للعواصم العربية، عواصم للثقافة دون ثقافة، إذ أن الثقافة التي تحاول عكسها، هي في أغلبها من ذلك النوع التظاهري المحض.
لكل امريء فيما يحاول مذهب، ولكلٍ أن يرى في عامنا المنصرم، في جردة الحساب الثقافي العامة رأيه، فالمهرجانات ،و احتفالات عواصم الثقافة، وعدد الكتب المطبوعة – على ضآلتها الفضائحية- ، وتسمية بعض المناشط للترجمة، وتوزيع بعض الجوائز الهامشية أو غير الهامشية، هي عند البعض إنجاز، أما نحن فلنا الحق أن ندعي بأن لا إنجازات حقيقية للواقع الثقافي العربي في العام 2007 على الإطلاق.
نقول هذا القول ونستدرك، اللهم إلا أن تكون موجة الروايات الجنسية ، أو على الأصح " الجنس الشفاهي " من نمط عمارة الأسواني ، وبنات الصانع ، وآخرون الحرز، هي في باب الإنجاز الثقافي العربي لهذا العام، ولعل في كتاب نواظر الأيك ، أو نزهة الخاطر ما هو أوسع من عمارة صاحبنا، وإيميلات صاحبته، وشاذات الثالثة الأخرى؟؟؟
أم قد يكون في عرض أثاث بيت الشاعر حجازي، ومحاكمات الشاعر حلمي سالم، واحراق كتاب "قول يا طير" في فلسطين ، نمط آخر من حسبة الإنجاز ذاته !!!
لكن إذا كان هذا هو نمط الإنجاز المقصود، فإن فضائيات الشعر العربي الجديد بإماراته الجديدة، مثلما فضائيات الحارات بأبوابها وشبابيكها، هي الإنجاز ذاته، أو هي سمة العام العربي 2007 ثقافيا، فهو على هذا الصعيد " عام باب الحارة" وعام " سوق الإمارة" ، هل هذه هي الإنجازات العربية ثقافياً؟
ولا يمكن أن نوجه اللوم والتقريع عاماً للمجتمع والمؤسسات، لأن هذا المثقف العربي أيضا يشارك في جريمة التزوير، يشارك في جريمة نحر الثقافة، أحيان كثيرة هو مسلوب الإرادة، ولكنه أيضا في أحيان أخرى ذاهب بإرادته إلى أدوار الكومبارس، يلهث خلف الاستهلاك والمادة، مستعد لتأجير مواقفه وفنه، إتكالي وخامل ومشروخ، شكاء بكاء ولا يحسنُ إلا الندب وتحميل غيره أسباب تضعضع حاله، المثقف العربي الحالي مشترك أساس في هذه الخزايا وهذه المعايب وليس بريئاً تماماً إلا من رحم ربك، وقليل ما هم ..قليل ما هم…!
لا يمكن الحديث عن إنجاز ثقافي عربي حقيقي، طالما هنالك ثلاث مصائب تنخر وتقوّض، وتجعل من فكرة الإنجازات هذه وأسألتها، مجرّد تسلية، هذه المصائب التي أولها: الأمية التي تأخذ مؤشراً صاعداً، وثانيها : تقويض المجتمع المدني بمؤسساته وأهمها الطبقة الوسطى بركائزها الثقافية ، وثالثها: تراجع مسألة قضايا الأمة في الحرية والعدالة والنهوض عن واقع العمل العربي بعامة، وواقع الفعل الثقافي بخاصة.
هذه المحددات هي المفردات التي يجب أن يصطف أمامها، وليس خلفها أرقام الإحصاء في الإنجازات، ما هي النسبة التي وصلنا إلى تخفيضها في مسألة الأمية عربياً؟
وما هي السرعة التي أنتجنا فيها طباعة وترجمة آلاف الكتب لهذا العام؟
وكم هي نسبة الزيادة المنجزة في المطالعة والقراءة عربياً؟
وهل زاد احترام المثقف والكاتب والأديب والمبدع العربي؟
وهل خرج هذا المثقف من عزلة المحابس المتضادة: في ( الفقر – الاستلاب)، ( النفي – المعتقل) ، ( تكميم الأفواه- الهذر المموّل) ؟
وهل عاد الفعل الثقافي المنير، والمؤمن بقضايا الجماهير الحقيقية إلى الساحة؟ وكم نسبته في ذلك؟
هل هنالك أغنية ذات كلمات خالية من المهمهة والتأتأة والفـأفأة ؟ وكم نسبتها؟
كم نسبة الثقافة الحقيقية من ثقافة "التطيين" ؟ أو ثقافة " اليأس" ؟
لنحسب هذا ثم نجيب….
أما دون ذلك، فلا وجه للسؤال ، ما هو الإنجاز الثقافي العربي لعام 2007؟