"من شب على شيء شاب عليه". يبدو أن هذا المثل في طريقه إلي الاندثار من لغوياتنا في العشر الأوائل من القرن الحادي والعشرين، على الأقل من الناحية العلمية المحضة؛ فمنذ نعومة أظافرنا فقد تعلمنا أن مجموعتنا الشمسية تتكون من كواكب يبلغ عددها تسع، وهي -وإن كانت تتفاوت في أحجامها وأقطارها وكذا في خصائصها- إلا أنها تشترك في كونها تدور حول نجم واحد، وهو الشمس. تحتوي هذه المجموعة أيضا على كويكبات ومذنبات وأجرام سماوية، وتقع داخل مجرة بها ما يقرب من 200 مليار نجم مثل الشمس، يطلق عليها اسم "درب التبانة" أو "الطريق اللبني". منذ ثلاثينيات القرن العشرين، بعد اكتشاف كوكب "بلوتو" من قبل العالم الأميركي "كلايد تومبو"، صار هذا الاعتقاد أساسًا علميًا تُبنى عليه قواعد المعرفة في بلدان العالم قاطبة، وقد شب عليه الكثيرين، بل وماتوا عليه أيضا.
إلا أن الأمور تغيرت كلية في الرابع والعشرين من شهر أغسطس (آب) 2006؛ فقد اجتمع قرابة 2,500 عالم من علماء الفلك في العاصمة التشيكية "براغ" ضمن فعاليات المؤتمر السنوي للإتحاد الدولي للفلكيين، وقد دارت مناقشات حامية الوطيس بهدف التوصل إلي اتفاق نهائي يضمن التعريف العلمي لمصطلحي "كوكب" ( Planet ) و"كوكب قزم" ( Dwarf Planet ). بالمناسبة، المصطلح الثاني مستحدث في اللغة الإنجليزية وربما يحتاج إلى ترجمة دقيقة في لغة الضاد، كما أنه وهو يختلف عن مصطلح "كويكب" (Asteroid ).
في اليوم الأخير لفعاليات هذا المؤتمر -الذي استمر لعشرة أيام- صوت نحو 10% من الفلكين على سحب البساط من تحت أقدام بلوتو؛ فبعد أن كان آخر العنقود في مجموعتنا الشمسية، فقد تقرر عزله وتخفيض رتبته من "كوكب" إلي "كوكب قزم". وقد أثار هذا القرار ردود فعل متباينة؛ فبينما وافق عليه البعض فإن البعض الآخر عارضه وبشده أيضا.
حسن! لست في موضع مناقشة صحة القرار من عدمه، فليس هذا اختصاصي، بيد أنه من المفيد بمكان أن نتوقف قليلا عند أسباب بزوغ الحاجة إلي إعادة تعريف مصطلح كوكب، بناء على ما ذكر في أروقة المؤتمر وأوراقه، وهذه هي نقطة البداية لفهم حقيقة ما جرى.
في أواخر القرن الماضي، أطلقت "وكالة العلوم والفضاء الأميركية" والتي تعرف اختصارا باسم "ناسا" مرقابا فضائيا يسمي "هابل" من أجل اكتشاف مجموعتنا الشمسية. وقد أظهرت الصور الحديثة التي أرسلها ذلك المرقاب في عام 2003 وجود كويكب على أطراف مجموعتنا الشمسية، أطلق عليه اسم "2003 يو بي 313"، ثم عرف باسم "زينا" قبل أن يطلق عليه اسمًا نهائياً وهو "إريس". ومن خلال الحسابات الفلكية الدقيقة، فقد تأكد أن هذا الكويكب الجديد أكبر حجما من كوكب بلوتو؛ فبينما يبلغ قطره 2,400 كم، فإن كوكب بلوتو يبلغ قطره 1,151 كم فقط.
هنا بدأت المناقشات تطفو على السطح: هل يتم ضم هذا الكويكب لمجموعتنا الشمسية وترقيته إلي رتبة كوكب، فيصبح هو الكوكب العاشر؟ طيب ماذا لو اكتشفت كويكبات أو أجرام سماوية أخرى في المستقبل؛ هل ترقي رتبتها لتكون كوكبا؟ وماذا إذا عن الأقمار الثلاث التي تدور بالفعل حول بلوتو وأهمها الجرم السماوي الذي يطلق عليه اسم "شارون"؟.
دارت هذه الأسئلة جميعها في أروقة المؤتمر، وتبلورت لكي تصدر أوراقه معايير علمية يتم على أساسها تحديد رتبة الجرم السماوي وصلاحيته لكي يصبح كوكبا من عدمها. تتلخص هذه المعايير في ثلاث نقاط هي:
* أن يدور حول الشمس في مدار بيضاوي؛
* أن يكون حجمه كبيرا بما يكفي لجعل الجاذبية تشكله في صورة كروية؛
* ألا يتقاطع مداره مع مدارات الكواكب المجاورة له.
أما الكويكب، فلا يشترط له سوى تحقيق المعيار الأول فقط. عدا ذلك فهو جرم سماوي. وبناء على تلكم المعايير -من وجهة نظر المصوتين- فقد تم إنزال بلوتو من على عرشه الذي تربع عليه طيلة 76 عاما، ولعمري هذا عمر آخر.
أكاد أسمع البعض منا يقول "ما لنا ولهذا الموضوع؟ تلك حرب لا ناقلة لنا فيها ولا جمل."
حسن! هذا موضوع مقالة آخري إن شاء الله، فقد وسع ربي كل شيء علما.