حسن! بادئ ذي بدء، ما رأيكم في تعريف كلمة "حرية"؟ بعيدا عن التعريفات المتعارف عليها، فإن تصوري للحرية، والذي نشرته على مجلة أي-ماغ شقيقة ناشري الصغرى سابقًا، أنها عبارة عن طائر يطير بجناحيه في وسط ما، موليًا وجه شطر وجهة بعينها. ولنوضح قليلا تلكم لمصطلحات:
- جناحي الطائر هما: الإحساس والمسؤولية؛
- الوسط الذي يحلق فيه: الإرادة الحرة للناس؛
- الوجهة هي تحقيق مصالح الناس على مستوى المجتمع ومستوى الإنسانية.
في ضوء ذلك، يتضح لنا أن "الحرية" ليست بحد ذاتها هي الغاية كما تعارفنا عليها، بل هي الوسيلة المُثلى والمستقيمة للوصول إلي تلكم الغاية. وبناء عليه، فما أغفله الجدال الدائر حول مسألة "حرية التعبير" أن نقد أفعال الناس يختلف اختلافًا بينًا عن انتقاد معتقداتهم والتسفيه منها سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين.
ليس معنى كوني مسلمًا أن أحمل سكينا لأشق بها عن قلوب الناس، مفتشًا عما يعتقدون، أو متحققًا مما ينتوون. كلا البتة! فليس من شأني أن أمنح الناس صكوك غفران لسببين:
- الأول: أن ربي (سبحانه) أعلم بالنيات وهو القاهر فوق عباده الذي يملك (سبحانه) حق محاسبه عباده يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم؛
- الثاني: أن كل إنسان ألزمه ربي طائره في عنقه الخاص، وهذا العنق يحمل رأسه التي تحتوى عقله مناط تكليفه.
لذا من الُمجدي أن يكون جل اهتمامنا بأفعال الناس التي قد تكون صحيحة أو خاطئة. بيد أن وعي الناس-أفرادا وجماعات- هو الذي يستطيع أن يميز الخبيث من الطيب من تلكم الأفعال، لهذا من الهام بمكان أن يكون اهتمامنا برفع وعي الناس وليس قمعه بغيه الوصول لحلول لمشاكلنا لذا البون شايع بين "حرية التعبير" والتعبير بحرية".
هذا يفسر لماذا أنتقد "آيات شيطانية" لسلمان رشدي، "رسوم جولاند بوستن" المسيئة للحبيب محمد (صلوات ربي وسلامه عليه)، فيلم "فتنة" للنائب الهولندي جريت خيرت، وأخيرا -ومن الواضح أنه ليس آخرا- كل الأعمال التي تقوم على هذه الشاكلة، بيد أن انتقادي هذا لا يرتكز فقط على اقتراف خطيئة الخلط الواضح بين الإسلام وبين أفعال المسلمين، بل ينصب أساسًا على خطيئة أشد طرًا ألا وهي تنميط "الإسلام" و"محمد" و"المسلمين" على تلكم الصورة، مما يثير دهشتي دائما: لماذا يتم التركيز على هذه الصورة، وقلما يلقى الضوء أو في أحسن الأحوال يلقى على استحياء على الجانب الآخر؟
جانب القمر المظلم -عمدًا أو جهلاً- ينبئنا بأن الله (سبحانه وتعالى) قد أرسل الحبيب محمد (صلوات ربي وسلامه عليه) إلي الناس برسالة الإسلام كخاتمة للرسالات السابقة بهدف عمارة الأرض، وهذا الأمر يتطلب التعارف والتدافع بين الناس، لهذا نص القرآن الكريم على أنه [لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ...(256)] - سورة البقرة.
نعم سوف تقولون أننا نعرف هذا لكن ماذا بعد؟ هذا يعني أن انتقادي للإرهاب أشد طرًا ليس فقط لأنه أعمال ضد أبرياء، بل لأنه أساسا، يعكس "العقم الفكري" الذي لا يستطيع أصحابه أن يقدموا ما هو مفيد ونافع لغيرهم فيسلكوا الطريق الأقصر وهو الإقصاء الجسدي عوضا عن ذلك! سبحان ربي! فما بالكم إن كان الإسلام لا يأمر بهذا لأنه يتعارض مع الهدف الأساسي؟ أفلا يعقل الناس أنه لا غاية تبررها وسيلة؟
نعم قد أتفهم عذر الغربي الذي يحيا في بيئة لا تقدم له عن الإسلام سوى "9/11" و"مدريد" و"لندن" و"كتب المستشرقين" إلا من رحم ربي، لكن -أحبائي- ماذا عنا؟ وماذا عن الانفصال بين التطبيق والتنظير الذي أضحى آفة المجتمعات العربية والإسلامية أفرادا وجماعات بعدما أمسى ماضيا عند غيرهم؟
يا الله! أشعر بالأسى على من لا يعمل عقله لكي يصل للحق، لكن ما علينا إلا البلاغ بيد أن ما أشعره حيال حالنا لأشد قسوة على النفس. ألا قد بلغت؟ اللهم ربي فاشهد.
[وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118)] سورة هود.