صفحات مضيئة من حضارة العرب قبل الإسلام- الأنباط أنموذجًا
د. زياد السلامين
تُعتبر مملكة الأنباط أُنموذجًا فريدًا لأبرز ممالك العرب قبل الإسلام، إذ لعبت دورًا حضاريًا بارزًا وهامًا في تسيير دفة الأمور السياسية في المنطقة خلال الفترة ما بين القرن الأول قبل الميلاد والقرن الأول الميلادي، وأظهرت انفتاحًا غير محدود على العالم الخارجي.
الأنباط شعبٌ من أصلٍ عربي ظهر على مسرح التاريخ السياسي بحوالي عام 312 ق.م - إن لم يكن قبل ذلك - واختفى ذكره من المصادر التاريخية بعد حوالي خمسة قرون، عندما أصبحت مملكته جزءًا من الولاية العربية الرومانية بحلول عام 106م، وتشير الدلائل إلى أنّ الأنباط قد ظهروا على شكل قبائل رُحّل، تحالفت مع بعضها، وكونت مملكة بزعامة أكبر وأقوى قبيلة وهي قبيلة "نبطو"، وقد توسَّعت حدود الدولة وتعاظمت تدريجيًا مع اتساع وتعاظم سلطتها الحاكمة حتى شملت في بعض الأحيان ذلك الجزء الممتد من دمشق شمالًا وحتى شمال الجزيرة العربية جنوبًا، ومن ميناء غزة على ساحل البحر الأبيض المتوسط غربًا وحتى الأجزاء الشرقية من الأردن (وادي السرحان)، واشتملت المنطقة على منطقة النقب بجنوبي فلسطين وصحراء سيناء، وقد كانت الحدود السياسية الجغرافية النبطية متغيرة حسب تطور الأوضاع السياسية والعسكرية في المنطقة.
وهناك جدلٌ بين الباحثين حول أصل الأنباط، وتاريخ ظهورهم، والمكان الذي جاؤوا منه، وظروف نشأة دولتهم، ولكن الرأي الذي يُجمِع عليه معظم الباحثين أنهم قد جاؤوا إلى منطقة جنوب الأردن من موضع ما من الجزيرة العربية في منتصف الألف الأولى قبل الميلاد، وظهروا في المنطقة بوقت متزامن مع اختفاء ذكر مملكة آدوم التي كانت قائمة في الجزء الجنوبي من الأردن خلال العصر الحديدي.
ما تزال معلوماتنا قليلة عن الفترة المبكرة من العصر النبطي، والتي تُعاصر ما يعرف لدى الباحثين بالعصر الهلنستي، ولكن يبدو أن الأنباط لم يكونوا قد استقروا بعد خلال هذه الفترة، إذ كان يغلب على حياتهم طابع البداوة والتنقل، ومع نهاية القرن الثاني وبداية القرن الأول قبل الميلاد حدثت جُملة من التغيرات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي أدت إلى تحول اجتماعي، وتغيّر في نمط الاستيطان، ويرى الكثير من المهتمين بالحضارة النبطية أن اشتغال الأنباط بالتجارة، وانفتاحهم على كافة حضارات العالم كانا من أسباب التغير الاجتماعي، وقد حقق الأنباط ثروة هائلة نتيجة لاشتغالهم بالتجارة، ففرضت الجغرافيا على مستهلكي المواد العطرية المستوردة أن يستوردوها عبر بلاد الأنباط التي كانت واقعة بين البلاد المنتجة والمستهلكة لهذه السلع، والتي كانت تنقل عبر طرق رئيسة تمر من بلادهم، وتربط الجزيرة العربية بمنطقة شرق البحر الأبيض المتوسط وسوريا.
قاوم الأنباط المستعمر الأجنبي منذ مرحلة مبكرة من تاريخهم، فتحاربوا مع خلفاء الاسكندر المقدوني في نهاية القرن الرابع قبل الميلاد. كما أدى التنافس النبطي البطلمي الذي بلغ ذروته خلال فترة حكم القائد البطلمي بطليموس فيلادلفوس الثاني 284-246 ق.م إلى ازدياد الصدام بين الأنباط والبطالمة الذين كانوا يرغبون باحتكار التجارة، وخصوصًا البحرية منها، فقاوم الأنباط هذا المد الاستعماري البطلمي، ومن ثم الروماني ولكن هذه المرة بالطرق الدبلوماسية، كما اصطدموا مع اليهود مرارًا وخصوصًا خلال فترة حكم الملك النبطي عبادة الأول (96-86 ق.م)، والحارث الثالث (86-62 ق.م)،
وانتهى الاصطدام هذا بمساعدة الملك مالك الثاني (40-70م) للقائد الروماني تيطس في محاولته القضاء على اليهود عام 67م.
تعتبر فترة حكم الحارث الرابع (9 ق.م-40 م) والملقب بـ "محب شعبه" أزهى فترة في تاريخ الأنباط، إذ شهدت فترة حكمه جهودًا لتوطيد الأمن ولتطوير المجتمع، كما شهدت نهضة عمرانية وتطورًا اقتصاديًا لم يسبق له مثيل، واهتم بعاصمته البتراء، كما اهتم بالأجزاء الجنوبية من المملكة، وخصوصًا بمدائن صالح (الحِجْر).
بدأ التدهور يدب في جسد الدولة النبطية مع نهاية القرن الأول قبل الميلاد وتحديدًا خلال فترة حكم الملك مالك الثاني (40-70م) ورب ايل الثاني (70-106م) الذي اهتم بالأجزاء الشمالية من المملكة، ويبدو أن فترة حكم رب ايل قد شهدت تدهورًا عامًا، الأمر الذي سهل مهمة الرومان بضم البتراء عام 106م بأمر من الإمبراطور تراجان الذي أوعز إلى قائده كورنيليوس بالما بهذا العمل، حيث ساعد بالما في مهمته هذه ضعف الأنباط السياسي، إضافة إلى أطماع الإمبراطور الروماني تراجان التوسعية الذي كان يرى في نفسه خليفة الاسكندر الكبير، ويبدو أن الضم كان وراءه دوافع اقتصادية أخرى تمثلت في
رغبة الرومان السيطرة على طرق التجارة.
ورغم انتهاء دولة الأنباط سياسيا بحلول عام 106م، إلا أنهم استمروا يمارسون دورهم التجاري في المنطقة، كما تشير الدراسات إلى أنهم قد لعبوا دورًا هامًا في الفتوحات الإسلامية بعد اعتناقهم للإسلام.
ما تزال معلوماتنا عن الحياة الاجتماعية النبطية قليلة وذلك بسبب قلة المصادر الكتابية النبطية التي تتحدث عن هذا الجانب، وتبقى كتابات الجغرافي اليوناني سترابو المصدر الأهم، رغم عدم دقته في الوصف وتناقض بعض المعلومات التي ذكرها مع نتائج الحفريات الآثارية، حيث يقول في جغرافيته أن الأنباط شعب حساس يميلون إلى التملك، فيكرمون من يزيد ملكياته، ويغرمون من ينقصها، ويتحدث عن لباسهم ويقول بأنهم يمشون دون أن يلبسوا الأردية الرومانية، حيث كانوا يرتدون نطاقا حول الخصر كما كانوا يلبسون الصنادل، وكان ملوكهم يفضلون اللون الأرجواني. ويتحدث سترابو أيضا عن احتفالات عامة كان ينظمها الأنباط في جماعات حيث يتناول المشاركون في الاحتفال الشراب بما لا يزيد عن أحد عشر كأسًا وبوجود موسيقيتين اثنتين، ويتحدث عن منازلهم المبنية بالحجر ويقول أنها مكلفة، وإن بلدهم مليء بأشجار الفاكهة، كما كان لديهم الكثير من الضأن والجمال.
تشير النقوش التي تعلو واجهات القبور الموجودة في مدائن صالح، إلى وجود طبقات في المجتمع النبطي، فالواجهات المنحوتة في الصخر كان يملكها القادة العسكريون والمدنيون وأبناء وبنات الذوات في المجتمع، أما أفراد الطبقة الدنيا، فكانوا يدفنون في مدافن بسيطة، وكان للمرأة بالمجتمع النبطي مكانة مميزة، فكان للمرأة النبطية حق التملك والميراث، كما ظهرت صورتها أحيانًا جنبًا إلى جنب مع زوجها على القطع النقدية التي سكها ملوك الأنباط، وقد أشارت البرديات النبطية التي عثر عليها غرب البحر الميت إلى امتلاك نساء نبطيات لعقارات زراعية في المنطقة الواقعة إلى الجنوب الشرقي من البحر الميت.
تؤكد أسماء الآلهة التي تعبدّها الأنباط عروبتهم، فقد تعبدّوا إلى العديد من معبودات العرب قبل الإسلام، كما تُشير الأدلة الكتابية النبطية إلى تأثر الأنباط بالعديد من الأقوام المعاصرين لهم، فأخذوا من الجزيرة العربية بعض الآلهة كذي الشرى واللات والعزى ومناة، وأخذوا من شمالي بلاد الشام عطارغتيس، وأخذوا من مصر ايزيس، كما شيَّدوا معابد على النمطين العربي الجنوبي والسوري.
اهتم الأنباط بالبعث بعد الموت فنحتوا مقابر في الصخر زُيِّنت واجهاتها الخارجية، والتي تتميز بالتناظر التام، بالعديد من العناصر المعمارية المميزة التي تعكس الهوية المحلية النبطية، إضافة إلى عناصر فنية خارجية آشورية ومصرية وسورية ويونانية، وتؤكد دراسة الواجهات النبطية المنحوتة في الصخر أن الحضارة النبطية قد تأثرت بالعديد من الحضارات المعاصرة أو السابقة لها تأثرًا كبيرًا، حيث كان للأنباط ومنذ بداية تاريخهم علاقات بسكان جزر البحر الأبيض المتوسط، وروما، والجزيرة العربية، ومناطق عدة من بلاد الشام، ثم تطورت هذه العلاقات الناتجة عن المعاملات التجارية، ونتج عنها تأثيرات شتى على الحضارة والفن.
لم يقتصر فن الأنباط على نحت الواجهات فحسب، بل صنعوا التماثيل وزخرفوا الفخار ورسموا الرسومات الجدارية المميزة على بعض واجهات المباني، ورصفوا أرضيات الحمامات بالفسيفساء، وطلوا الواجهات المنحوتة في الصخر بالجص ولوّنوها، كما استخدم الفنان النبطي العديد من العناصر الزخرفية في فنونه كالزخارف النباتية والحيوانية، وأكثر من استخدام العناصر النباتية كالكرمة والرمان لتزيين الأفاريز والأجزاء المعمارية المختلفة.
أما ما يخص مساكن الأنباط فكانت على نوعين اثنين: نوع مبني بالحجارة، ونوع منحوت بالصخر، منها ما كان مكونًا من طابق واحد، ومنها ما كان من طابقين، وتألفت البيوت المبنية بالحجارة من مجموعة من الغرف أُلحقت بها مرفقات ومنشآت مائية، كما استخدمت الأخشاب في الغالب لتسقيف البيوت، واستخدمت الأقواس أحيانا لسقف بعض الغرف، وزُودت بعض بيوتهم، وخصوصا تلك التي يبدو أنها كانت تعود لأغنياء، بحمامات ملاصقة للبيوت زُخرفت أرضياتها بالفسيفساء، وهي مشابهة لما يُعرف في أيامنا هذه بالحمامات التركية، وكانت الحمامات النبطية تتألف من ثلاث وحدات رئيسة، وهي: القاعة الباردة، القاعة المعتدلة الحرارة والقاعة الساخنة التي تعتبر أهم أقسام الحمام.
كان الأنباط ماهرين باستخراج الخامات الطبيعية، إذ قاموا باستخراج المعادن لصناعة الأدوات المعدنية المختلفة والمجوهرات والأدوات المعدنية التي كانت تستخدم لنحت الواجهات وصناعة المسكوكات، كما صنعوا الزجاج، وربما صنعوا العطور، كما برعوا في صناعة المنسوجات والسلال والصناعات الخشبية والجلدية المختلفة.
كان الأنباط روادًا باستخراج القار (الاسفلت) من البحر الميت بدءًا من حوالي القرن الرابع قبل الميلاد، حيث كان القار يشكل موردًا رئيسًا لهم، وكان وكما يذكر المؤرخ اليوناني ديودورس الصقلي يُصدّر لمصر، حيث كان يستخدم في التحنيط وغيره، وقد احتكر الأنباط تجارة القار وإنتاجه، فحاول قادة السلوقيين خلال هذه الفترة السيطرة على استخراجه فأوعز أنتيجونس السلوقي إلى أحد قادته أن يُعد قواربًا ويهاجم الأنباط في ذلك المكان، وأن يجمع القار. وعندما هاجم السلوقيون المنطقة؛ قام حوالي ستة آلاف نبطي بالإبحار على طوافات لملاقاة الجيش السلوقي وهذه الحادثة تشير إلى أهمية القار للأنباط، التي دفعتهم لخوض معركة بحرية.
إضافة إلى ذلك، صنع الأنباط أنواعًا مختلفة من الفخار منه ما كان مخصصًا للاستخدامات اليومية، ومنه ما كان مخصصًا للاستخدامات الدينية، ومن أبرز الإنجازات النبطية في هذا المجال صناعتهم لفخار رقيق ملون ليس له مثيل وصل في سماكته إلى سماكة قشرة البيض، حيث عكس الفنان النبطي على هذه الأواني مجموعة من الزخارف النباتية كالرمان والعنب والنخيل إضافة إلى تزيينها ببعض الزخارف الهندسية الشكل.
سكَّ ملوك الأنباط مسكوكات مميزة من معدني الفضة والبرونز فقط، وقد كانت القطع النقدية التي سكها ملوك الأنباط، منذ بداية إصدارها مع بداية القرن الأول قبل الميلاد وحتى عام 60 ق.م، لا تحمل ملامح نبطية خالصة، ولكنها كانت متأثرة بشكل كبير بالمسكوكات الهلنستية، التي كانت متداولة في مناطق عدة من بلاد الشام، ويعتبر الملك النبطي عبادة الثاني( 62-60 ق.م) أول ملك عربي نبطي يسك نقودًا تحمل كتابات آرامية نبطية.
وبدءًا من عام 30 ق.م بدأت صورة الملكة تظهر جنبًا إلى جنب مع صورة زوجها على القطع النقدية النبطية، وقد حملت هذه القطع رموزًا عدة، كالنسر وقرون الرخاء المتقاطعة، وراحة اليد وصورة لامرأة واقفة، والصولجان وسنابل القمح وثمار الرومان، كما حملت معظم القطع النقدية، التي سَكَّها ملوك الأنباط تاريخًا، إما بالأرقام أو بالكلمات، كما حملت أسماء الملوك والملكات وألقابهم.
أبدى الأنباط تميزًا وتقدمًا في مجال هندسة الري، فابتكروا تقنيات وأساليب ووسائل لجمع أكبر كمية من المياه، حيث أضفت هذه المنجزات صبغة التميز على حضارتهم، فقاموا ببناء القنوات الفخارية والحجرية، وأقاموا السدود لحجز مياه السيول والفيضانات، وأقاموا القناطر التي تحمل فوقها قنوات خصوصا فوق الأودية، وشيَّدوا الخزانات والآبار التي تتوزع في كافة أرجاء المملكة النبطية، وتمكنوا من التغلب على مشكلة نقص المياه في المواسم الجافة. حيث أدى إتباع هذه الأنظمة المميزة والمتطورة إلى تخزين كميات أكبر من الماء، وبالتالي زراعة أكبر رقعة جغرافية ممكنة، الأمر الذي أدى إلى استغلال أمثل لكل الموارد الزراعية المتاحة في كافة أرجاء المملكة النبطية.
والجدير بالذكر، أن الأنباط قد قاموا بإلحاق أبار وخزانات ومنشآت مائية أخرى بمعظم بيوتهم، كما أقاموا السدود الاعتراضية على مجاري الأودية، بهدف الاستفادة من مياه الأمطار في الزراعة، والري كما هدفت هذه السدود، كما هو الحال في بعض مواقع البتراء، إلى تخفيف اندفاع الماء، وبالتالي حماية المدينة ومنشآتها من خطر الفيضانات.
أما فيما يخص التجارة، فقد ازدهرت تجارة المواد العطرية القادمة من جنوب الجزيرة العربية خلال العصر النبطي، وقام الأنباط ببناء بنية تحتية ملائمة لتسهيل عبور هذه السلع والبضائع، فزودوا الطرق بالمنشآت التي توفر الخدمات لأفراد القوافل كالخانات والنزل وأبراج المراقبة والمنشآت المائية، وتبين المصادر التاريخية والشواهد الأثرية أن الأنباط قد جنوا أرباحا طائلة من هذه التجارة، التي كانت تقوم أساسًا على استيراد وتصدير، وإعادة تصنيع بعض المواد التي كانت تلقى رواجًا في العالم القديم، ومن أهم هذه السلع، البخور واللبان، وبدءًا من ظهور الأنباط كانت التجارة تلعب الدور ذاته، وقد أظهرت بعض الدراسات أن الأنباط قد طوروا نظامًا اقتصاديًا مميزًا، من أجل زيادة الأرباح الناتجة عن هذه التجارة، فنظموا عملية عبور القوافل من خلال تحسينهم للطرق التجارية، وتأهيلهم لبعض مدن القوافل، لتسهيل شحن البضائع وتزويدها بالمرافق اللازمة، وكذلك وضعهم لبعض الحاميات العسكرية في المنافذ البحرية، مثل ميناء ليوكه كومي شمال غرب الجزيرة العربية، وتطويرهم لنظام ضرائبي ونقدي لتحقيق هذه الغاية. كما فرضوا الضرائب على السلع المارة من أراضيهم والتي كان من أبرزها البخور القادم من الجزيرة العربية، والذي كان يستخدم على نطاق واسع في مختلف مجالات الحياة اليومية.
وعلى الرغم من أن الأنباط قد تكلموا شكلًا من أشكال العربية إلا أنهم قد كتبوا نقوشهم باللغة الآرامية التي كانت لغة السياسة والتجارة آنذاك، واستخدمت كلغة وخط في منطقة واسعة من الشرق الأدنى القديم، وتطور نوع خاص من الخط الآرامي، اقتصر استخدامه على الأنباط وأطلق عليه تسمية نبطي من قبل الباحثين، وقد تطور هذا الخط وكما يرى الكثير من الباحثين المهتمين بدراسة تطور الخطوط القديمة، وانحدر منه الخط العربي، وتشير الدراسات المقارنة إلى أن الخط العربي قد أشتق من الخط النبطي الذي بدأ بالتطور مع منتصف القرن الثاني قبل الميلاد، وأصبح خطاً له خصائصه الخاصة
خلال القرن الأول الميلادي، ويعتبر نقش النمارة والمؤرخ لعام 328م، حلقة الوصل ما بين العربية والنبطية، ويعتبر هذا التطور من أبرز مساهمات العرب الأنباط في الحضارة العربية.
تشير الشواهد الأثرية النبطية، كالفخار والمسكوكات والنقوش إلى وجود نشاطات نبطية مكثفة خارج حدود مملكتهم، فوصلوا إلى جنوب الجزيرة العربية وإلى منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط والجزر اليونانية ومصر، كما وصلوا إلى روما وبنوا بالقرب منها معبدا للإله ذو الشرى، حتى تتمكن الجاليات النبطية الموجودة في روما من ممارسة شعائرها الدينية خارج نطاق وطنها، حيث عثر على العديد من اللقى الأثرية النبطية على طريق التجارة، الذي يربط الجزيرة العربية بروما، والمار عبر البحر الأبيض المتوسط، ففي صور بلبنان عثر على نقش ثنائي اللغة (نبطي يوناني) ، كما عثر على نقش
ثنائي اللغة أيضا في ميليتوس تركه سيلايوس الوزير النبطي أثناء زيارته لروما، إضافة إلى نقوش نبطية عُثر عليها في تينوس، ورودس، وديلوس، وكوس، وروما، وبتولي، وأنطاكيا، وتدمر، صور والضمير، وفي الأودية الواقعة بين البحر الأحمر ونهر النيل، وفي منطقة الدلتا وصحراء مصر الشرقية وهي في الغالب نقوش قصيرة تؤرخ للقرنين الثاني والثالث الميلاديين، وتشير إلى تواجد جاليات نبطية هناك، كما عُثر أيضا على نقود نبطية في أنطاكيا تعود لفترة حكم الحارث الرابع بالإضافة إلى العثور على كسر فخارية نبطية هناك.
لقد ظلت المملكة النبطية تنعم بالرخاء في ميادين التجارة والزراعة والصناعة، واستمرت العلاقات الاقتصادية بين الأنباط ومن عاصرهم، فازداد التبادل التجاري، وشارك الأنباط، وبشكل فاعلٍ، في تجارة العالم القديم البرية منها والبحرية، فازدهرت التجارة البرية، التي كان قوامها البخور وغيره من المنتجات العطريّة، كما نشطت حركة التجارة البحرية، فازدهرت الموانئ النبطيّة، وسارت القوافل المحملة بالبضائع المستوردة من عدّة مناطق داخل المملكة النبطية، وتنقّلت عدّة سلع بين الموانئ النبطية والأجنبية، وخاصةً تلك الموانئ الواقعة على الساحل الشرقي للبحر الأحمر وميناء غزة، وساعد على ازدياد التبادل التجاري الأمن والاستقرار، الذي كانت تنعم به مملكة الأنباط، والبنية التحتية الموجودة داخل المواقع النبطيّة، والتي كانت تُسهِّل حركة مرور القوافل.
لعبت المملكة النبطية وبسبب موقعها الجغرافي على طول طريق البخور دورًا مميزًا في تسهيل حركة مرور القوافل القادمة من الجزيرة العربيّة للعالمين اليوناني والروماني وبالعكس، حيث بذل الأنباط جهودًا كبيرة لغايات إدارة هذه التجارة بالشكل الأمثل، فوفرت الأمن والأمان والماء والمأوى وكافة الاحتياجات لأفراد هذه القوافل، وازدهر عدد من المحطات الحضارية المهمة على طول هذا الطريق، وأصبحت هذه المحطات مراكز إشعاع حضاري متميزة، وما زالت أطلال هذه المحطات والمدن ماثلة للعيان، تروي فصلًا من فصول تاريخ المنطقة في حقبة مهمة من التاريخ.
التدقيق اللُغوي لهذه المقالة: شوق البرجس