أحيانًا يجد الواحدُ نفسَه محقِّقًا لأهداف كبيرة، مُنجزًا لأعمال عظيمة، بأقلّ جهد وأقصر وقت، وفي مرّات أخرى لا يستطيع حتّى أن يرفع اللّقمة لفمه.
لا شك أنّ الحديث الصحيح: "اللّهمّ إنّي أعوذ بك من الهمّ والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل..." في الدّعاء به قوّةٌ تستمدّ قدرةَ الله تعالى وعَونه للمؤمن لتزداد طاقته البشريّة المتقلّبة، فتعظُم بذلك إنجازاته المتأرجحة، حتى يراها النّاس من حوله خوارق، وقد يراها هو كذلك أيضًا، ومن يتّق الله يرى العَجَب.
أفلا نُصدّق أنّ صحابيًّا تعلّم لغة الرّوم في بضعة أيام وصار ترجمانًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟
أفلا نُصدّق أنّ الإمام الشافعي ذو كرامات في الحفظ، وابن الجوزي ذو خوارق في التأليف، وعمر بن عبد العزيز ذو عجائب في الحُكم، وابن تيمية ذو غرائب في التربية والتعليم والدعوة والجهاد، وهكذا كثير في سلفنا الصالح من أئمتنا العلماء، وجهابذتنا العظماء.
واليوم، أفلا تلد مثلهم النساء؟
الحقّ والباطل في كل زمان ومكان، والأمة الإسلامية معصومة في مجموعها بالمجدّدين، الذين يأتون على رأس كل مئة سنة، يعيدون الحقّ إلى نصابه والباطل إلى سردابه، فيعود الخلفُ سلفًا، والعلماء منهم ذوي كرامات، كما كان أسلافهم. لذلك أنا لا أستغرب أن يحفظ القرآنَ كلَّه صبيّ لم يبلغ الخامسة من العمر وقد كان، ولا أستغرب أن تتحرّر شعوبٌ بحجارة وعِصيِّ وبنادق صيد، من مستعمريها ببوارجهم وصواريخهم وجيوشهم المدجّجة المُدرّبة، في بضع سنين. كما لا أستغرب أن ينتسب عالم إلى مئات المؤسسات والجمعيّات؛ مشرفًا وموجّهًا، ومفتيًا ومقوِّمًا، وبكفاءة.
كيف لا وقد كان وزيرٌ خاصّ للخليفة عمر بن عبد العزيز وظيفته أن يقول "اتّق الله" متى رأى المخالفة في الخلافة، والخليفة يحكم مشارق الأرض ومغاربها آنذاك.