كثيرا ما يثار لغط وجدل حول موقف الإسلام من المرأة، وسببه الجهل بهذا الدين، أو التشبث ببعض العادات والتقاليد الفاسدة، وعلى العموم فالمرأة شريكة الرجل في الحياة، وفي المسئولية، وفي التكاليف الشرعية، وما من رجل إلا ولدته امرأة، ولذلك قال الإمام علي:
أنا الذي سمتني أمي حيدرة
فتكريم المرأة ما هو إلا تكريم للرجل أيضا، والعلاقة بينهما علاقة حب وتكامل وتعاون وليست علاقة حرب واستعباد، وفيما يلي بعض النصوص التي تثبت ذلك:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (النساء /1) (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَاباً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ) (آل عمران:195)
(وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً) (النساء:124)
(مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (النحل:97)
(مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ) (غافر:40)
(وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم:21)
(إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) (الأحزاب:35)
وبعد هذه النصوص الواضحة ليس ثمة بيان، ولمن يريد الاطلاع أكثر فهناك دراسات جيدة في هذا الباب منها:
- تحرير المرأة في عصر الرسالة لمحمد عبد الحليم أبو شقة
- المرأة بين الفقه والقانون، للدكتور مصطفى السباعي
- - ماذا عن المرأة، للدكتور نور الدين عتر
- حسبنا أن نشير هنا إلى أن الرسول عليه السلام جعل الجنة تحت أقدام الأمهات، و قال (خيركم خيركم لأهله)، ونهى عن ضرب المرأة، وأمر بتكريمها أما وزوجا وبنتا، وقد ربت المرأة وشاركت الرجل حتى إنها حاربت المرأة في عصره وكانت أهلا للفتيا فكانوا يسألون عائشة رضي الله عنها.
- والعجب أن نمنعها بعض حقوقها باسم الإسلام الذي أنصفها من ظلم الجاهلية.
- أما ما يثار بخصوص (أكثر أهل النار النساء) فهذه أخبار يراد منها التحذير والمبادرة، وهنالك حديث في الترمذي يدل على أن لكل واحد من أهل الجنة زوجتان من أهل الدنيا، ولفظه: (لكل واحد منهم زوجتان) [مشكاة المصابيح، 3/1567] وهذا يعني أن النساء أكثر أهل الجنة، وكون النساء أكثر أهل النار لا يعني الخلود فيها، ودليل ذلك أن الحديث عزا سبب ذلك إلى كثرة اللعن وكفران العشير، وهذان أمران لا يوجبان الخلود في النار، ثم إن الكثرة قد لا تكون حسب العدد، وذلك أن التمييز محذوف في الحديث، كما لو قلنا زيد أكثر الناس، فيحتمل المال وغيره، فقد يكن أكثر أهل النار سذاجة، لأنهن يدخلنها بسبب ذنوب صغيرة تتعلق بسرعة غضبهن وانفعالهن، ففي الحديث: (يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار، فقلن وبم يا رسول الله؟ قال: تكثرن اللعن وتكفرن العشير أي الزوج)[متفق عليه، انظر: المشكاة 1/13-14] وعلى فرض أن التمييز المقصود به العدد، فإذا كانت أعداد النساء أكثر في الدنيا، يكون عددهن الأكثر في الثواب والعقاب، ويؤيد ذلك حديث ابن عباس في الصحيحين: (اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء)
- فلو كان المقابل للنساء في الحديث هم الذكور لقال أكثر أهل الجنة الرجال، ولكنه ذكر الفقراء، وهنالك حديث آخر يقرر أن أكثر أهل النار هم من النساء والأغنياء، ومثل هذه الأحاديث الغرض منها التحذير والمبادرة، فلا ينبغي المماحكة فيها، فكل ما ثبت عن الصادق الأمين نتلقاه بالقبول، وهذا المنهج متبع في كل الأديان، فمن آمن بدين عليه أن يتبع ما قال صاحبه، ويتلقاه بالقبول، فهنالك قضايا غيبية لا تخضع للعقل، والله وحده هو الذي يعلم السر في ذلك.
- ونقول بحسب عقولنا إن الله لم يقسم الجزاء حسب الذكورة والأنوثة وإنما حسب العمل، فالجزاء من جنس العمل، ولا يلزم أن يكون الجزاء متساويا عند الجنسين 50% من كل منهما في الجنة و50% في النار، ولا يلزم كون النساء أكثر أن يكونا 99% في النار، لأن نسبة 51% تعني الأكثر، وبينهما متسع، وحتى لو كان الجزاء كذلك فأعداد النساء أكبر من الرجال وهذا يقتضي أن يكون عدد النساء أكثر في أهل الجنة وفي أهل النار، وهذا هو الراجح، لأنك لو جمعت رواية أنس التي تقول بأن أكثر أهل الجنة الفقراء، ورواية الترمذي التي تذكر أن لكل واحد من أهل الجنة زوجتان من أهل الدنيا، وقد نص على هذا الملا علي القاري في مرقاة المفاتيح، مع رواية أن أكثر أهل النار النساء، ورواية أخرى تذكر الأغنياء مع النساء، وهي موجودة في كنز العمال، فتكون النتيجة إن أكثر من يدخل الجنة هم الفقراء والنساء، وأكثر من يدخل النار هم النساء والأغنياء أيضا.
- وقد بدا لي رأي جديد وهو أن الرؤية هنا معنوية لا حقيقية، كما لو أن أستاذا قال لبعض الطلبة ادرسوا فإني رأيتكم أكثر الطلبة رسوبا، فالمعنى تداركوا أنفسكم لئلا تكونوا راسبين في المستقبل، والرؤية هنا معنوية لا حقيقية، ويعضد هذا التأويل أمره لهن بالصدقة، لأن الصدقة تطفئ الخطايا كما تطفئ النار الحطب، ولو كانت الرؤية حقيقية لما كان هنالك فائدة من أمره لهن بالصدقة.
- وعلى أية حال إن هنالك منهجا للتعامل مع السنة، وهو جمع الآثار ودراستها معا، والتوقف بأخذ ما تعارض منها مع الكتاب، أو تأويله على وجه من الوجوه، ولا ينبغي لكل واحد أن يجعل نفسه حكما على السنة ما لم يتعلم علومها، ويعرف منهج الترجيح بين آثارها.
- وفي الختام فإننا لا نرى أن تكون مثل هذا الأحاديث عناوينا للكتب، من أجل عدم التشويش على العامة، وينبغي أن لا نخلط بين آراء العلماء والدين الحنيف، فالمرأة ليست رقيقا كما نقل عن حجة الإسلام الغزالي، وإنما الصحيح هو قول النبي عليه السلام: (النساء شقائق الرجال) نسأل الله أن يدفع عنا الفتن ويجنبنا المزالق والشبهات، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ملاحظة: هنالك كتاب بعنوان: نساء مبشرات بالجنة، أحمد خليل جمعة، قدم له منذر شعار، دار ابن كثير، ذكر فيه 20 امرأة، ابتداء بخديجة وانتهاء بحفصة