تكتسي الدعوة إلى إعطاء المرأة حقوقها أهمية خاصة في هذا الزمان الذي يبحث فيه كل إنسان عن حقه الضائع وكرامته المهدورة، فللمرأة أن تعمل وتتعلم وتمارس حقوقها الاجتماعية والسياسية من غير إفراط ولا تفريط، ولكن كثيرا ما يساء فهم قضية حقوق المرأة إذ نجد مسألة يثيرها بعض الكتاب على سبيل المثال على أنها حق للمرأة وهي قضية قضية مساواة المرأة للرجل في الإرث، مدعين الإشفاق على المرأة، داعين إلى تغيير التشريع الإسلامي بحجة التطوير والاجتهاد، ونسخ العمل ببعض الآيات القرآنية إرضاء للهوى، متقولين على الأئمة والخلفاء الراشدين ما لم يقولوه، وناسبين لهم نسخ بعض الآيات، ناسين أو متناسين قولة عمر عند تراجعه عن تحديد المهور: (أصابت امرأة وأخطأ عمر) فلا ابن الخطاب ولا غيره يحق له تجاوز حدود الله، أو نسخ آية من كتابه عز وجل.
وما وقع من الصحابة من إيقاف سهم المؤلفة قلوبهم في عهد أبي بكر، وعدم قطع يد السارق عام الرمادة، ونحو ذلك ليس بنسخ للآيات القرآنية وإنما يندرج تحت زوال العلة التي تقتضي الحكم، فإذا رجعت العلة رجع الحكم، يقول السيوطي (الإتقان 2/28) : (إن كل أمر ورد يجب امتثاله في وقت ما لعلة تتقتضي ذلك الحكم، بل ينتقل بانتقال تلك العلة إلى حكم آخر وليس بنسخ، إنما النسخ الإزالة للحكم حتى لا يجوز امتثاله)، وعليه فالصحابة مأجورون إن شاء الله تعالى في اجتهادهم، ولم ينسخوا شيئا من كتاب الله، بل كانوا أحرص الناس على التمسك بكتابه سبحانه.
وليس لنا بعد وفاة النبي عليه السلام أن نعدل نصا أو نلغيه، لأن هذا لعب بالشريعة، وقع فيه من قبلنا من الأمم، وعافانا الله منه، ولحسن الحظ أنه ليس هنالك فئة من رجال الدين تحتكر لنفسها حق الإضافة والتعديل بالدين، وإلا لوجدنا تحريفات كثيرة وصورا متعددة للإسلام من وقت لآخر ومن بلد لآخر، وأساس الدين هو الاتباع وليس الابتداع، فكل من يحاول اللعب بدلالات النصوص أو تحريف معانيها سوف تفشل محاولته، لأن الله قيض لهذا الدين من يحميه ويذود عنه، ولأن الجماهير تعي بحسها الفطري من هو صاحب الصراط السوي من غيره، فتقف مع ما تأمرها به الفطرة وليس مع أصحاب الطبل والزمر.
وقضية نسخ النصوص أو تعديلها ليست لأحد من البشر، وأكثر العلماء على أن السنة لا تنسخ القرآن، فكيف يستطيع صحابي فعل ذلك؟ قال الشافعي:( حيث وقع نسخ القرآن بالسنة فمعها قرآن عاضد لها، وحيث وقع نسخ السنة بالقرآن فمعه سنة عاضدة له، ليتبين توافق القرآن والسنة).
وبناء على ما سبق لا نستطيع أن نلغي أو نعدل الآية (للذكر مثل حظ الأنثيين) وإنها لقسمة عادلة من لدن حكيم خبير، ففي مطلع سورة النساء، وقبل أن تأتي آية الميراث قال تعالى: (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة) فالمرأة لها المهر، فإذا جمعنا المهر مع الميراث تساوى نصيب الرجل والمرأة كما ذكر مصطفى صادق الرافعي، ناهيك أن الرجل مكلف بالسكن والنفقة على المرأة طول حياتها، وليس له أن يجبرها على خدمته كما ذكر بعض الفقهاء، فمن حقها أن يكون لها خادمة تقوم بأعباء المنزل، ولوجمعنا ما تستهلكه المرأة مدة عمرها في ظل حياتها الزوجية [و حتى إذا لم تتزوج فإن ولي أمرها مجبر على نفقتها] نجد أنها أخذت أكثر من حقها بالميراث بكثير.
وعليه فمن السذاجة النظر إلى التشريع الإسلامي بعين واحدة، ولا بد من النظر إلى التشريع ككل بعيني اثنتين وببصيرة أيضا، ولو قارنا ماذا أعطى الإسلام للمرأة مقابل ما أعطاها الآخرون، سنجد أن الإسلام هو المنصف وليس بعده إلا الظلم والإجحاف.
وهؤلاء الذين يعزفون على وتر المرأة حتى كأن مشاكلنا انتهت جميعا ولم يبق إلا موضوع المرأة والميراث، عليهم أن يعلموا جيدا أننا لو أعطينا المرأة كل شيء فلن نخرج من تخلفنا وجهلنا، وأن تطور الأمم لا يكون إلا بالعلم والصناعة والتكنولوجيا والوحدة والحرية، وليس بتحريف الشريعة وإثارة الشحناء والحقد بين الرجل والمرأة مدعين أنهم يدافعون عن حقوقها التي اغتصبها الرجل، وكأن العلاقة بين الرجل والمرأة هي علاقة حرب وبغض، متناسين أن الرجل لم يحقق إبداعاته إلا بمشاركة المرأة له عبر التاريخ، ولذلك قيل وراء كل رجل عظيم امرأة، ولكن هذا لا يقتضي بالضرورة الخلط بين اختصاصات كل منهما، وأن نتعدى على التشريع الحكيم إرضاء لأهوائنا النفسية، والله الموفق.