قبل آلاف السنين كان الهنود السود سكان الهند الأصليون يعيشون بسلام على أراضيهم ومزارعهم، كانوا في ذلك الوقت يعيشون حياة طبيعية، فكل شعب الهند في ذلك الوقت كان لون بشرتهم أسود، ولم يسبق لهندي واحد أن رأى غير هذه البشرة، لم يعرف هذا الشعب البدائي الله بعد، لكنهم كانوا يعتقدون بوجود قوى طبيعية تحكم حياتهم، كان السلام والوئام هو حقيقة حياة الهندي؛ فهو بعيد كل البعد عن العنف؛ لأنهم لم يعرفوا المصالح والتجارة، كما لم يعرفوا الأسلحة والجيوش، ولأن الملكية الخاصة لم تكن تهمهم كانت الأرض مشاعة بين كل الهنود إلى أن ظهر شعب جديد في حياتهم، لا يذكر التاريخ سبب زحف هذا الشعب الغريب نحو الهند الذي جاء من أقاصي آسيا، عندما قدموا كانوا يرتدون ملابس معدنية مطلية بالذهب، ولا يتكلمون لغة الهنود أصحاب الأرض، وكانوا يركبون أحصنة، عندما رأى سكان الأرض هذا الشعب يزحف نحوهم منهم من هرب ومنهم من تجمد في مكانه، فهؤلاء لون بشرتهم أبيض وعيونهم زرقاء،كانوا بالنسبة للهندي المزارع بمثابة أمر غريب لم يسبق له أن رآه، فمنهم من حاول الاقتراب ليلمس هذه الأجساد، إلا أن أحد هؤلاء البيض ضربه برمح فأصابه، فعرف شعب الهند أن هذا الجنس الجديد يعاقب على الاقتراب منه بطعن، لهذا كان على الهنود أن ينحنوا لهم مثلما ينحنون عندما يسمعون صوت الرعد؛ حيث يخفون وجوههم ولا يرفعون نظرهم إلى السماء خوفا من الصواعق، ثم ابتعدوا عن هذا الشعب الآري الأبيض المتميز عن الهنود، لم يكن الآريون يتشاركون الطعام مع الهنود، كانوا يجتمعون مع بعضهم، و بدأوا ببناء معسكرهم بالقرب من النهر حيث يسقون أحصنتهم، ومع مرور الأيام بدأوا يبنون مساكن من الطين والحجر، ويحيطونها بالجدران، فتشكلت أول مدينة في الهند وتشكل فيها السوق والمعبد، وفي تلك الحقبة كان يمنع الهنود من الاقتراب منها، ثم قام الآريون بالهجوم على الهنود وأسروا الشباب منهم ووضعوا في أيديهم الأغلال، وبدأوا يعلمونهم اللغة الآرية، كان من بين هؤلاء شاب هندي ذكي تعلم اللغة الآرية، الذي تحول مع الوقت إلى مترجم يتكلم بلغتين،
فكان كل الهنود يجتمعون إليه عندما يخرج من المدينة فيتجول في القرى والأرياف القريبة، فاجتمع بالهنود في يوم من الأيام ليخبرهم قصة الآريين والتي هي قصة غريبة وقاسية عليهم، حيث قال لهم إن هذا الشعب جاء من السماء وهم شعب قوي، لا يعرف المرض ولا يعرف الموت، ولقد قدموا إلى أرضنا لأن هذه الأرض التي ولدنا فيها هي في الحقيقة أرضهم من البداية، لقد كانوا هنا قبل ولادتنا، ونحن في الحقيقة ملكهم مثلما يملكون الأرض والأنهار، لهذا فهم يعتبرون كل هندي لون بشرته سوداء من أملاكهم، لهذا عندما يمر آري بالقرب من الهندي يجب على الأخير أن ينحني وألا يوجه عينيه نحوه وإلا عوقب باللعنة، وعقوبة من يلمسهم الموت، وعلينا أن نعمل على خدمتهم فهم أسيادنا. كان الهنود البسطاء سعداء بهذا الخبر فهم عرفوا الآن هوية هؤلاء أصحاب البياض، ومرت سنوات تعلم الهنود لغة الآريين، ومع مرور الوقت ظهرت لغة تجمع بين الأسياد البيض والهنود، لكن عندما تعلم الهنود اللغة لاحظوا أن الآريين يعرفون المرض وأعمالهم وطبيعتهم لا تختلف عنهم، كما أن الآريين يعملون في الزراعة ويتصارعون على القوة؛ حيث حدثت صراعات بينهم بسبب الاستيلاء على الأراضي، وحدث أن أحب آري هندية وهرب معها من المدينة وعاشا في الجبل وأنجبا أطفالا، ولقد رأوا أطفالهم يلعبون في الجبل إلى أن تم قتل هذه العائلة من لدن الآريين الذين اعتبروا هذا العمل جريمة؛ حيث لا يجب اختلاط الآريين بالهنود، وحيث لا يسمح للهندي أن يلامس جلده جلد الآري، ومرت آلاف السنين ظهرت طبقات بشرية، كان الهنود السود يسمون بـ: شودراSyudra أي المنبوذ الذي لا يستطيع لمس الأسياد، فهو في الحقيقة إنسان محروم من أي حق، فهو منذ ولادته محكوم عليه أن يخدم الطبقات العليا التي وضعها الآريون ،والتي تحول قدره وكأنه مفروض عليه من السماء أن يعيش فوق الأرض على أنه إنسان لا يلمس أحدا، لأنه ولد في الطبقة القديمة التي انحنت للآريين الذين قدموا إلى أرضهم منذ ألفي سنة، رغم أن الهند تغيرت وعرفت الملوك والفلاسفة وعرفت الديانة الهندوكية إلا أن التشودري (المنبوذ) لم يتغير حاله، فلا يستطيع أن يذهب إلى المدرسة، كما لا يستطيع أن يلعب مع باقي أصدقائه من الطبقات العليا كرة القدم خوفاً من أن يلمس أحد أصدقائه الآري القديم فتصيبه اللعنة مثلما قال المترجم الذي خرج من المدينة القديمة.
لكن ذات يوم استعمرت الهند من جنس جديد قادم من أوربا، يمتلك المدافع والبنادق، فجعل كل الطبقات العليا محرومة ومنبوذة وبدأ يفرض على على الشعب الهندي المختلط قوانين جديدة؛ فعرفت الهند الشركات والمصارف، وتغيرت المعاملات التجارية، وبدأ المجتمع يعرف النقود الورقية التي كانت القوة الجديدة، كان الأنجليز يلعبون دور الآريين القديم، ثم علم هذا الشعب المستعمر الهنود الانتخابات ففرح الهنود بهذا القرار وفرح الشودرا بهذا الخبر؛ لأن الانتخابات ستدخل بعضهم إلى البرلمان، وبالتالي سيرتفعون في الطبقة ليتشاركوا الرأي مع باقي الطبقات، لكن الأنجليز أوضحوا لشودرا بأنهم لا يملكون الحق في الترشح والانتخاب، فبقي حال الطبقة المنبوذة كما كان لم يتغير، لهذا لم يكن للمنبوذين ـ أصحاب الأرض الأصليين والذين يعملون في الزراعة والأعمال الحقيرة التي وجدت لأن الطبقات تركتها لهم ـ الحقوق المدنية. لكن تفطن بعض الشودرا إلى حل يخرجهم من حكم النبذ في الهند؛ حيث هاجروا إلى أوربا ليخرجوا عن قوانين النبذ، وبعد خمسة أجيال خرج من هذه الأجيال المهندس والطبيب والمحامي في المجتمع الأوربي، فتعجبت باقي الطبقات من هذا الذكاء الذي ظهر في طبقة الشودرا، فأجابهم الكهنة بأن هذا لأنهم خرجوا من أرض الهند، لهذا فهؤلاء ليسو ا هنودا لأنهم شربوا ماء مختلفا عن ماء الهند المقدس، عندما سمع أحد المفكرين هذا الكلام ابتسم وقال: مصيبة البشرية أنها تصدق الكذبة والتاريخ، وهي تعرف الحقيقة؛ كل ما يهم أن تجد في رجال الدين والسياسة ما يسوغ بقاء الكذبة.
التدقيق اللغوي: أبوهاشم حميد نجاحي