الإدارة الاستراتيجية
مدخل:
من الضروري التعرف على سر الاختلاف في معدلات النجاح والاستمرارية في المنظمات العاملة في مجال المعلومات. والواقع أن معدل النجاح والفشل يتوقف على ما تتبعه هذه المنظمات من استراتيجيات(1). والاستراتيجية هي "خطط وأنشطة المنظمة التي يتم وضعها بطريقة تضمن خلق درجة من التطابق بين رسالة المنظمة وأهدافها، وبين هذه الرسالة والبيئة التي تعمل بها بصورة فعالة وذات كفاءة عالية". ولعل ذلك التعريف يحتاج منا إلى تفسير حتى تتضح أبعاده الأساسية ، فإذا نظرنا إلى هذا التعريف نجد ما يلي:
1-إن الاستراتيجية ما هي إلا وسيلة لتحقيق غاية محددة وهي رسالة المنظمة في المجتمع، كما أنها تصبح غاية تستخدم في قياس الأداء للمستويات الدنيا داخل المنظمة. ومعنى ذلك أنه لا يمكن لأي منظمة أن تستخدم مفهوم الاستراتيجيات إلا إذا كانت رسالتهاits Mission في المجتمع واضحة ومحددة.
2-إن الاستراتيجية تهدف إلى خلق درجة من التطابق والتي تتسم بالكفاءة العالية بين عنصريين أساسيين وهما:
أ-خلق درجة من التطابق بين أهداف المنظمة objectives ، وبين غاية المنظمة purpose. فلا يعقل أبداً أن تعمل أي منظمة مع وجود تناقض بين الأهداف والغايات التي تعمل على تحقيقها.
ب-خلق درجة من التطابق بين رسالة المنظمة والبيئة التي تعمل بها تلك المنظمة. ومعنى ذلك أن الاستراتيجية تعمل على أن تعكس رسالة المنظمة تلك الظروف البيئية التي توجد فيها ومراعاة التطورات الحادثة في البيئة ومقابلتها بالتغيير المناسب في الاستراتيجيات المتبعة.
بعد أن تعرفنا على الاستراتيجية، يمكن لنا أن نعرف الإدارة الاستراتيجية بأنها " هي تلك العملية اللازمة لوضع، وتنقيح، وتطبيق بعض التصرفات اللازمة لإنجاز بعض النتائج المرغوب فيها". وترتبط الإدارة الاستراتيجية بعدة مفاهيم هي: الغرض، والرسالة، والأهداف، فلكي تتولى المنظمة تنمية استراتيجيتها فإن عليها أن تراعي كل من غرضها، ورسالتها، وأهدافها.
وغرض purpose المنظمة يمكن تعريفه بأنه " الدور الأساسي للمنظمة والذي يتم تعريفه بواسطة كل الأطراف صاحبة المصلحة والتي تتحمل المخاطرة بالتعامل معها".
أما رسالة المنظمة Mission فهي تعرف بأنها "تلك الخصائص الفريدة في المنظمة والتي تميزها عن غيرها من المنظمات المماثلة لها". ومن هنا فإن رسالة المنظمة هي التي تعكس الفلسفة الأساسية للمنظمة، وهي أيضاً تعبر عن الصورة الذهنية التي ترغب المنظمة في إسقاطها على أذهان الأفراد، وهي تعبر عن مفهوم الذات للمنظمة Self-concept، وتحدد أيضاً ما تقدمه المنظمة من منتج أو خدمة، أو السوق الذي تتعامل معه، كما أنها تعمل على تحديد تلك الحاجات التي تعمل المنظمة على إشباعها من خلال النشاط التي تقوم به.
وأخيراً فإن الأهداف objectives تمثل تلك الأهداف المتوسطة والتي تحتاج إليها المنظمة لكي تترجم رسالتها الفلسفية إلى مصطلحات محددة وملموسة ويمكن قياسها.
من المفيد تحديد مفهوم نظم الموارد البشرية نظراً لأن إدارة الموارد البشرية هي مدخل تحسين القدرة التنافسية وتعرف إدارة الموارد البشرية بأنها: الأنشطة التي تصمم لإمداد المنظمة بالموارد البشرية التي تحتاجها والتنسيق فيما بينهم.
ويعرف سيسون Sisson إدارة الموارد البشرية بأنها “ تهتم بصفة أساسية بتوفير وتعبئة الموارد البشرية ومن ثم فإنها تتعلق بالسياسات والإجراءات، والعمليات الخاصة بإدارة منظمات الأعمال”. ويمكن استخلاص نتيجتين أساسيتين من هذا التعريف، الأولى هي أن إدارة الموارد البشرية تعتبر أحد الوظائف الإدارية التي تختص بالاستخدام الفعال للموارد.
أما النتيجة الثابتة فهي أن إدارة الموارد البشرية يمكن أن تحسن من عمليات توفير وتعبئة الموارد البشرية.
أي أنه يمكن تعريف إدارة الموارد البشرية – بشكل عام بأنها : مجموعة من النظم الفرعية المترابطة التي تشمل العمليات والأنشطة الخاصة بتوفير، وتنمية، وتشغيل الموارد البشرية في منظمات الأعمال(2) .
والآن بعد أن اتضحت لنا تلك المفاهيم الأساسية ، فمن الذي سيقوم بإنتاج السلعة أو الخدمة ؟ بطبيعة الحال ستكون الإنتاجية من خلال الأفراد ، فمثل كل المنظمات الرائدة تؤمن إيماناً عميقاً بأن أفضل أنواع الأصول التي تمتلكها هي تلك الأصول البشرية، فهي تعتبر الأفراد العاملون بها هم رجال " خط النار" الأول الذي يمكنه أن يقدم أفكاراً جديدة لتحسين الجودة أو لزيادة الإنتاجية . وهي تعمل دائماً على أن تزود أفرادها بالمعلومات الخاصة بالمنظمة وبرسالتها وبالأنشطة التي تقوم بها ، وهي منظمات تسيطر عليها النظرية “Y” في تعاملها مع أفرادها(3).
ويعتبر العنصر البشري من أهم الموارد التي تعتمد عليها أي منظمة ، وتزداد هذه الأهمية في المنظمات الخدمية . وتصنف المكتبات – على اختلاف أنوعها – ومراكز المعلومات على أنها منظمات خدمية ،ومسئولة عن خدمتين أساسيتين هما :
1-خدمة تقديم المعلومات .
2-خدمة إتاحة أوعية المعلومات .
ونظراً للسمات المميزة للخدمات بشكل عام :
1-غير ملموسة ، أي ليس لها مواصفات وأبعاد معيارية أو مادية .
2-غير نمطية ، أي تتشكل حسب رغبة متلقي الخدمة .
3-وجود علاقة أو اتصال مباشر بين منظمة الخدمة وبين متلقي الخدمة .
4-مساهمة متلقي الخدمة في إنتاج الخدمة .
فإن عبء " تسويق" خدمات المكتبات ومراكز المعلومات يقع على أفرادها، لا سيما المتواجدين في نقاط الخدمة المباشر ة بالجمهور ، مثل أفراد : الإرشاد المرجعي ، الإعارة الخارجية ، الاشتراكات والعضوية …إلخ. بل قد يصل العبء إلى " أفراد الأمن " المتواجدين في مداخل تلك المكتبات أو مراكز المعلومات .
والسؤال الأول المطروح هنا: لماذا يتحمل مقدمو الخدمة المكتبية عبء " تسويقها " ؟. والإجابة سبق الإشارة إليها في الفقرة السابقة ، بالإضافة إلى أن:
أ-تعقد عملية الاتصال بين تلك النوعية من المنظمات الخدمية وبين جمهورها ، يجعل هذا الجمهور يُقيّم المكتبة أو مركز المعلومات بالجزء المرئي له، ولا يعنيه الأداء المتميز لأقسام التزويد أو الإعداد الفني أو النظام الآلي ،أو مدى كفاءة الإدارة. بل كل ما يعنيه أداء الفرد الذي تعامل معه مباشرة: هل بذل جهداً ؟ هل تواصل فكرياً معه؟ هل كان بشوش الوجه ؟.
وعليه فإنه في هذه الحالة لا يمكن فصل جودة الخدمة عن جودة سلوك مقدم الخدمة مع متلقي الخدمة، أي أن متلقي الخدمة يُسّم الخدمة بأضعف حلقات الاتصال، ويعمم ما يراه على ما لا يراه.
ب-أهمية عنصر الثقة في مقدم/ مقدمي الخدمة تلعب دوراً كبيراً في تفضيل مكتبة على أخرى، حيث يعتقد " القارئ " أن (س) من أفراد الخدمة بمكتبة ما يستحق ثقته، لأن هذا الفرد أرشده لمعلومات وثيقة الصلة ببحثه، أو أنه تواصل فكرياً مع متطلباته المعلوماتية ، أو أنه يجعله يشعر أنه القارئ الوحيد بهذه المكتبة.
والسؤال الثاني: كيف يمكن تطوير مهارات العاملين بالمكتبات ومراكز المعلومات بما يتمشى مع متطلبات الجمهور، و سعي تلك المكتبات ومراكز المعلومات للنجاح مهنياً و إدارياً ؟.
بطبيعة الحال ستكون الإجابة الفورية هي: الدراسات الجامعية الأولى والمتخصصة في المجال، ولكن نظراً للتطور المستمر في هذا المجال فإن العاملين بتلك المنظمات يحتاجون من وقت للآخر لتطوير ذواتهم، وأحياناً يكون التطوير من خلال المحاكاة، أو بالقراءة، أو بما يسمى: خبرة رأس العمل(4). والآن بعد أن وضحت الصورة، كيف السبيل لتجميل هذه الصورة؟.
الهوامش:
1-إسماعيل محمد السيد/ الإدارة الاستراتيجية: مفاهيم وحالات تطبيقية.- الإسكندرية : الناشر العربي الحديث، د.ت. ص ص 2-5 (بتصرف)
2 - أحمد ماهر / إدارة الموارد البشرية -الإسكندرية : الدار الجامعية، 1999 .
3- إسماعيل محمد السيد/ الإدارة الاستراتيجية. مرجع سابق: ص ص 52-53.
4- قسم الكبار بمكتبة مبارك العامة /الإعداد المهني لأمناء المكتبات والتنمية البشرية - الجيزة: كلية آداب القاهرة، 1998. ص ص :2-3. (بحث مقدم إلى المؤتمر القومي الثاني لأخصائيي المعلومات: 28-30 /6/1998)