من يقرأ تاريخ تركيا يعجب من التغيرات التي تحدث في تلك المنطقة..فمنذ سقوط الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الثانية وظهور حركة قومية يقودها مصطفى أتاتورك الذي ألغى الدولة العثمانية وأعلن الجمهورية التركية ونجح في تبديل المبادئ والقيم الإسلامية إلى أعراف علمانية ومسح اللغة العربية واستبدلها باللغة التركية حتى في.. الأذان! وبدى واضحا حنق مصطفى أتاتورك على المسلمين والعرب في الذكرى العاشرة لتأسيس الجمهورية التركية عندما جمع أتاتورك المصاحف والكتب الدينية ووضعها على ظهور الإبل متوجهة إلى الجزيرة العربية ويقودها شخص بزي عربي وعلى رقاب الإبل لافتة (جاءت من الصحراء، ولتعد إلى الصحراء، وجاءت من العرب، فلتذهب إلى العرب)! و كان لابد من ظهور شخص..متطرف! يظهر الحق ويزهق الباطل ..وبكلمة متطرف أعني بها متطرف عن الباطل لأن الله سبحانه وتعالى قال عن إبراهيم عليه السلام (حنيفا مسلما وما كان من المشركين) وكلمة حنيف جاءت من كلمة أحنف والأحنف هو الأعوج وسيدنا إبراهيم عليه السلام أعوج ولكن أعوج عن الباطل أي..مستقيم!
وكان أربكان بالفعل متطرف في أفكاره..فهي أفكار صارخة ولا يصدق العقل أنها تقال في تركيا البلد العلماني حتى النخاع وكان لابد لهذه الصرخات ان تسمع في كل بيت ولا يمكن أن يحدث هذا إلا بالتطرف!
ومن هنا ظهر نجم الدين أربكان!..الذي أربك الصفوف العلمانية بفكره وصلابته وتمسكه بمبادئه وأسس أول حزب إسلامي في تركيا في عام 1971 الذي قلب الموازين (والمواجع!) عند الأحزاب العلمانية التي لا تتحمل فكرة وجود حزب إسلامي قوي في تركيا..وكل حزب يؤسسه تقوم محكمة الدستور بحله..فقد أسس حزب النظام وتم حله ومن ثم حزب السلامة وحزب الرفاه إلى أن وصل إلى حزب السعادة..
وكأني أرى أربكان في حملته الإنتخابية التي أطلقها في 2006 تحت شعار (فتح القسطنطينية) وهو يحيي ذكرى فتح القسطنطينية على يد محمد الفاتح وهو يقول مخاطبا الآلاف من مؤيديه: "نحن جذور هذا البلد ونحن روحه.. ونحن أحفاد محمد الفاتح، ونعتبر هذا أكبر عزة وشرف لنا.. ولا رأي يحترمه هذا الشعب إلا رأي محمد الفاتح".
وأربكان وحزبه يطلق عليهم اسم (المحافظين) لمنهجهم السياسي الذي يتبعونه ووضوح قيمهم وغاياتهم الإسلامية وتمسكهم بالمبادئ وعدم تقديم أي تنازلات!..ولكن جاء جيل جديد تربى على يد نجم الدين أربكان يخالف منهجية أربكان السياسية وعلى صدر هذا الجيل أردوغان الذي وصل إلى الرئاسة عن طريق حزبه (حزب العدالة والتنمية) ولو أنهم لا يتفقون في المنهج السياسي مع أربكان ولكن الهدف واحد والرسالة واحدة وهي إعلاء كلمة الحق والدين ونشر العدالة والتنمية والسعادة!
وهكذا كان يجب أن تبدأ وتنتهي الحركة الإسلامية في تركيا كان يجب لها أن تبدأ بتطرف أربكان وتنتهي بتوازن وإعتدال أردوغان. فالأول كان يحتاج مهارات القائد الذي يخالف كل الأعراف والمفاهيم والقواعد السائدة والثاني يحتاج إلى مهارات سياسية وإقتصادية وغيره من مهارات قائد الدولة المعاصرة. أربكان الأب الروحي للحركات الإسلامية في تركيا أربك النفوس العلمانية وأردوغان إبن الجيل الجديد ينعش النفوس ..التركية!