تسعى هذه الرؤية إلى رصد الدروس التي قد يستفيد منها العقلاء الذين يحملون هموم الوطن ، ويأملون توطيد أركانه على قواعد الحق والعدل والمساواة المستقاة من أركان الشريعة الغراء ، والقائمة على مبادئ الدستور المتوافق عليها من قبل كافة المواطنين. لذا فليس من شأن هذه الرؤية الخوض في زوايا أزمة التأبين ولا جذورها ولا صورها الحقيقية أو تلك المختلقة.
إن وحدة المجتمع و تواصل مختلف فئاته بعضها ببعض، و تعاونها لتأمين الاستقرار فيه من أهم مقومات حركة الإصلاح والتغيير نحو نهضة وتقدم الوطن. و عند تحليل ودراسة أزمة التأبين ورصد ما أفرزته من إيجابيات وسلبيات في هذا الإطار ، تتحقق رؤية الدروس التي ستدفع بحول الله وقوته مجتمعنا نحو ممارسة واجباته ومسؤولياته على نحو يكفل المزيد من الاستقرار والتقدم.
وفيما يلي بعض هذه الدروس:
1- وحدة موقف طائفة الشيعة، المتعدية والمتجاوزة للاختلافات المرجعية والخلافات السياسية والخلفيات القومية.
وما إذا ستستمر هذه الوحدة إزاء قضايا أخرى مثل الانتخابات النيابية القادمة أو أية قضية أخرى ؟ أم أن للتأبين وردود الأفعال تجاهه خصوصية معينة جمعت صف الطائفة؟ وما هي هذه الخصوصية؟
2- ثبات و صمود القيادات الشيعية على المبدأ والموقف دون أي تراجع أو تردد، مما أعطى دروسا بليغة في الثبات من أجل المبدأ ومهما كلف الأمر من تضحيات من جهة، وكرس قيادة عامة وشاملة للطائفة تتخطى جميع القيادات التقليدية وتتجاوزها.
3- قوة و سرعة التنظيم والتحريك الجماهيري وعلى درجة عالية من الحرفية مما أذهل المراقبين على الساحة المحلية لأنه جاء على صورة غير معهودة ومغايرة للأداء المعتاد.
4- مقدرة الإعلام المحلي على توجيه المواقف و تحريكها وتحديد درجة تفاعلها.
5- وضوح التمايز والتباين الطائفي الشيعي والسني لدرجة المفاصلة العامة.
6- ضعف وتردد و تخبط الإدارة الحكومية في معالجة ومواجهة الأزمة وتداعياتها ومرد ذلك أساسا عدم توفر الرؤية المتوازنة لمثل هذه الأزمات.
7- تضارب دور الحل الأمني مع دور الحل السياسي للقضايا السياسية وفقدان التنسيق والتمازج الإيجابي بينهما والذي يمكن إن توفرا أن يكفلا الأمن والاستقرار.
8- بروز ظواهر الغلو والتطرف والمواقف المنفلتة بصورها الفطرية الذاتية أو المدفوعة من طرف أو آخر.
9- تغيب دور الغالبية العظمى من القيادات الفكرية والثقافية في المجتمع عن القيام بدورها في تفكيك الأزمة و محاصرتها وذلك تحت وطأة التأجيج والضجيج وخوفا من تبعات الحضور القوي المؤثر.
10- غلبة المصالح الانتخابية عند تحديد الموقف من الأزمة من قبل بعض الأطراف دون النظر في المصالح الوطنية ووحدة المجتمع و أمن الوطن.
11- قابلية المجتمع الشديدة والرأي العام فيه للإثارة و التأجيج من قبل الإعلام والمنابر الأخرى.
12- إقحام النزاعات والصراعات السياسية المختلفة تحت مظلة أزمة التأبين من أجل تصفية الحسابات و تحقيق مصالح وأهداف خاصة.
13- تخلخل الساحة السياسية وتراجع دور الدولة ومكانة القانون مما ساهم في تغلغل قوى المصالح الخاصة وتنامي الانفلات التام دون ضابط أو رادع.
14- أهمية دور الجماعات السياسية المنظمة في توجيه المجتمع والرأي العامخاصة في ضوء الفهم القاصر العام لهذا الدور.
15- آثار التدخلات ، وانعكاسات الأحداث الإقليمية على القضايا المحلية.
16- هشاشة مواقف الجماعات غير الملتزمة والتكتلات غير الفكرية و عدم وضوح الخاصة وغيرها.
إن أزمة التأبين يجب أن لا تمر دون التمعن في دروسها ومعانيها حفظا للوطن بعيدا عن التمزق والتفرق.
الأحد 8 ربيع الأول 1429 هجرية – 16 مارس 2008 ميلادية