المملكة البغدادية التي كان اسمها يهزّ أرجاء الوطن العربي، تداعى عرشها واندثرت أبنية مجدها وتصاعد دخان حريقها حتى بلغ السماء. نقف الآن قليلاً لننظر في إمكانية إنقاذها وإعادة بناء حضارتها من جديد.
بعد خمسة وأربعين عامًا من الحكم الاستبدادي الشمولي، وبعد خمس سنوات أخرى من احتلال أمريكي، سيكون أمامها سنوات طِوال أخرى حتى تقوم ببناء مستقبل جديد يعيدها إلى ما كانت عليه قبل الحرب الأمريكية عام 2007.
إنّ المتمعن في التركيبة العرقية للعراق، يجد أنها لعبت دورًا كبيرًا خاصة بعد الحرب الأمريكية. فالسياسة الطائفية هي الأبرز على أرض الواقع، وإذا أردنا التخلص من التأثير الطائفي على العراق ربما وجب علينا أولًا أن نركز على تطوير الجوانب الإنسانية وتحقيق العدالة الاجتماعية للعراقيين، لصرف نظرهم عن السعي وراء النعرات السياسية أو الدينية لمحاولة السيطرة على أكبر أجزاء العراق وحكمها.
حين نتحدث عن إنقاذ العراق، علينا أن نأخذ بعين الاعتبار محاور أساسية تتلخص بإعادة النظر حول البنية التحتية التي دُمِّرت، والمستويات التعليمية التي كانت تُعتبر من أقوى المستويات في العالم العربي، والاقتصاد والرعاية الصحية وأسواق العمل.
إنّ أحد الأمور التي يمكن التفكير بها كحلول مستقبلية هي نقل أو توزيع الثقل السكاني من العاصمة بغداد إلى باقي المدن العراقية؛ فإذا أراد العراقيون بناء أرضية جديدة تستوعب كافة شرائح المجتمع وطوائفها الدينية والسياسية فعلى حكومتهم والمؤسسات المعنية بالإحصاءات السكانية أن تعمد إلى حساب معدل النمو السكاني، ومن ثم العمل على إيجاد إسكانات خارج العاصمة ليتم توزيع السكان بشكل منظم، على عكس ما كان نظام "صدام حسين" يفعل حين كان يسهل القروض لبناء الإسكانات بأسعار مرتفعة، بل على الحكومة الحالية أن تقوم هي بتوفير الإسكانات بعد أن تقوم بإحصاء دقيق لعدد السكان، حيث كانت السنوات الماضية التي سبقت الاحتلال تفتقر إلى الدقة في الإحصائيات السكانية وغيرها من المعدلات التي يجب على الحكومة أن تباشر بدراستها وتجهيزها لغايات إعادة البناء على أسس علمية وعددية صحيحة؛ فالإحصائيات الدقيقة تمكن الحكومة الجديدة من بناء دراساتها المستقبلية على أسس واضحة وسليمة.
أما فيما يخص التعليم في العراق، فيجب استحداث مناهج دراسية من الممكن أن تلائم كافة الطوائف والتوجهات الدينية وغيرها، في محاولة للتقريب بين الجهات، كما أنّ على الدوائر المعنية بالتربية والتعليم أن تولي هذا القطاع اهتمامًا كبيرًا خاصة بعد أن تفاقمت هذه المشكلة وغاب عدد كبير من المثقفين والأكاديميين وهاجر إلى الخارج.
من ناحية أخرى، وفيما يهم الاقتصاد العراقي فعلى الحكومة التشجيع على الاستثمار من جديد، وإيجاد بيئات استثمارية مناسبة لهذا الغرض، فالاقتصاد السائد الآن هو الاقتصاد غير الرسمي أو اقتصاد الأفراد وليس اقتصاد الشركات والقطاعات الحكومية.
إنّ التركيز على الجوانب الاجتماعية وإعادة البناء الآن هو الأهم في العراق فضلا عن أهمية الاقتصاد الذي يجب أن يتم إنعاشه من جديد حتى تستطيع العراق الوقوف من جديد، وتتصدر المكان المناسب بين الأمم العربية والعالمية كما كانت سابقًا.
التدقيق اللُغوي لهذه المقالة: شوق البرجس