أود في البداية أن أوضح أمرًا مهمًا ألا وهو أنني لست ضد أن تثور الشعوب لتحصل على حريتها وكرامتها وتستعيد مجد أمتها وتحصل على المكانة التي تليق بها بين الأمم. بل على العكس من ذلك فإنني ممن يؤيدون هذا وبشدة وعندي قناعة تامة أنه لا تقدم ولا رقي وازدهار لهذه الأمة إلا من خلال الحصول على الحرية والعدل والمساواة وتكافؤ الفرص، وكل تلك المسميات النبيلة التي لا نعرف عنها إلا ما نسمعه عن الدول الغربية وطريقة تعامل الحكومات مع شعوبها وطريقة تعامل مواطنيها فيما بين بعضهم البعض، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه وبشدة في تلك اللحظة الفارقة في تاريخ أمتنا: هل ما يحدث الآن في تلك المنطقة (المنطقة العربية) والذي تسميه الولايات المتحدة بـ (بثورات الربيع العربي) حراكًا شعبيًا محض (ثورات عربية) أم فخ وقعنا فيه (فوضى خلاقة)؟!
وللإجابة على هذا التساؤل نعود بالتاريخ للوراء إلى العام 2005 حينما أدلت مستشارة الرئيس الأمريكي للأمن القومي ووزيرة الخارجية الأمريكية السابقة في عهد الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش (كونداليزا رايس) لصحيفة الواشنطن بوست الأمريكية أن الولايات المتحدة تنوي نشر الديمقراطية في العالم العربي، وتشكيل ما يعرف بـ (الشرق الأوسط الجديد) من خلال نشر (الفوضى الخلاقة) في الشرق الأوسط.
ربما يدور تساؤل في الأذهان لدى البعض ما المقصود بالفوضى الخلاقة؟ وهل الفوضى تنتج شيئًا خلاقًا؟! إن مسمى (الفوضى) بحد ذاته مخيف يدعو إلى الرهبة وينبئ عن أمرٍ غير محمود؟
إذن فما هي الفوضى الخلاقة التي انتوت الولايات المتحدة نشرها في الشرق الأوسط؟ ولماذا الشرق الأوسط تحديدًا؟
بالعودة إلى الوراء نجد أن مفهوم الفوضى الخلاقة بدأ بالظهور حينما وافق الكونجرس الأمريكي بالإجماع على مشروع صاغه المستشرق اليهودي الصهيوني البريطاني الأصل، الحاصل على الجنسية الأمريكية (برنارد لويس)، وهذا المشروع أطلق عليه اسم (حدود الدم – Blood Borders) ويهدف هذا المشروع إلى تقسيم وتفتيت الدول العربية بشكل خاص والإسلامية بشكل عام إلى دويلات على أساس ديني ومذهبي وطائفي.
والمفارقة الغريبة في هذا الأمر أن تستخدم وزيرة الخارجية الأمريكية مصطلحًا من بين بروتوكولات حكماء صهيون الـ24 لتشرح للعالم كيفية انتقال الدول العربية والإسلامية من الحكم الدكتاتوري إلى الحكم الديمقراطي، والمريب في الأمر أن مثل هذا التصريح مر مرور الكرام على الكتاب والمثقفين والساسة العرب دون التحقيق الجدي والفوري والموسع في هذا التصريح الخطير لوزيرة خارجية أكبر دولة في العالم؟
إن الفوضى الخلاقة Creative Chaos هو أحد مصطلحات الماسونية (البناءون الأحرار) ويقصد به إحداث حالة اجتماعية واقتصادية مريحة بعد إحداث فوضى مقصودة.
وبالتدقيق في كلمة (مريحة) والتي جاءت قبل كلمة (مقصودة) في هذا المصطلح يمكننا أن نستنتج لمن ستكون الراحة من خلال تلك الحالة (الفوضى الخلاقة) وأن المستفيد الكبير من هذه الفوضى وبما أنه قاصدًا إحداثها هو من سيضعنا في وضع مادي واقتصادي واجتماعي مزري يجعل منا أمة تعاني من التخلف والجهل والفرقة والضعف والانقسام في شتى مناحي الحياة، وبالتالي لا نكون سوى تابعين لهم ليس لنا من توجه ولا ثقافة ولا إستراتيجية خاصة بنا.
وبالعودة إلى بروتوكولات حكماء صهيون حيث جاء في البروتوكول الأول أنه "كذلك كنا قديمًا أول من صاح في الناس (الحرية والمساواة والإخاء) كلمات ما انفكت ترددها منذ ذلك الحين ببغاوات جاهلة متجمهرة من كل مكان حول هذه الشعائر، وقد حرمت بترديدها العالم من نجاحه، وحرمت الفرد من حريته الشخصية الحقيقية التي كانت من قبل في حمى يحفظها من أن يخنقها السفلة" (ترجمة الأستاذ/ عباس العقاد / الطبعة الخامسة).
وذكر الدكتور أوسكار ليفي في كتابه بروتوكولات صهيون ما نصه "نحن اليهود لسنا إلا سادة العالم ومفسديه، ومحركي الفتن فيه وجلاديه".
كما جاء في البروتوكول الرابع أن "كل جمهورية تمر خلال مراحل متنوعة: أولاها فترة الأيام الأولى لثورة العميان التي تكتسح وتخرب ذات اليمين وذات الشمال. والثانية هي حكم الغوغاء الذي يؤدي إلى الفوضى ويسبب الاستبداد. وإن هذا الاستبداد من الناحية الرسمية غير شرعي، فهو لذلك غير مسؤول.
أيضًا جاء في البروتوكول الخامس عشر من بروتوكولات حكماء صهيون أن "سنعمل كل ما في وسعنا في منع المؤامرات التي تدبر ضدنا حين نحصل نهائيًا على السلطة، متوسلين إليها بعدد من الانقلابات السياسية المفاجئة التي سننظمها بحيث تحدث في وقت واحد في جميع الأقطار، وسنقبض على السلطة بسرعة عند إعلان حكوماتها رسميًا أنها عاجزة عن حكم الشعوب، وقد تنقضي فترة طويلة من الزمن قبل أن يتحقق هذا، وربما تمتد هذه الفترة قرنًا بلا رحمة في كل من يشهر أسلحة ضد استقرار سلطتنا".
إذن فهذه نظرة بسيطة على مفهوم الفوضى الخلاقة وأصله ومتى بدأ بالظهور ومن تبناه وكيف أنه بدأ بالفعل في 1991 حينما أشار إلى الرئيس العراقي في تلك الفترة (صدام حسين) فيما معناه بأن الولايات المتحدة ترى بأن المشكلات ما بين العراق والكويت هي أمر شبه داخلي وأن الولايات المتحدة لا تنوي التدخل فيه، وكان هذا بمثابة ضوء أخضر لصدام حسين ليشن حربًا على الكويت كان لها الفضل بأن تأتي بأمريكا إلى المنطقة وتبدأ مشروعها الكبير في تفتيت تلك المنطقة إلى دويلات ولكن ما ينقصها فقط هو الصبر قليلاً لفهم أيديولوجية سكان هذه المنطقة والطريقة المثلى لتنفيذ مشروع حدود الدم.
تتطور الأحداث وتقود الولايات المتحدة تحالفًا دوليًا لتحرير الكويت من قبضة صدام حسين الذي أكل الطعم، وظن بأن الأمر قد استقر له في الكويت ولم يكن يعرف بأن الأمر يتخطاه ويتخطى العراق والكويت بكثير... فالمراد من تلك الحرب هو التواجد الدائم للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في أهم منطقة في العالم تمتلك الجزء الأكبر من المخذون العالمي من البترول والغاز وتمتلك الطريق بين الشرق والغرب والشمال والجنوب.
وتبدأ الأحداث في التغير وكذلك الإستراتيجيات الأمريكية في الشرق الأوسط ففي شهر يونيو من العام 2004 كتب نائب وزير الدفاع الأمريكي جوزيف ناي وهو عميد كلية الحكومة في جامعة هارفارد في مقال له في مجلة فوريجن افاريس كان مضمونه أن "القوة الناعمة هي الوسيلة المناسبة لتحقيق المصالح الأمريكية بدلاً من صدام الحضارات".
إذن فقد تغيرت الإستراتيجية من حروب عسكرية مباشرة تقودها الولايات المتحدة لتغيير الأنظمة في الشرق الأوسط تكلفها مليارات الدولارات وخسائر في أرواح الجنود تتسبب في مشكلات وضغوط داخلية على الإدارة الأمريكية إلى حروب خفية يكون اللاعب الأكبر فيها هي الشعوب التي تعاني من الظلم والفقر وتردي الأوضاع المعيشة مما يدفعها إلى أن تثور على حكامها دون أن تعرف نهاية هذه الثورات وماذا تريد بعد أن تسقط تلك الحكام.
من دون أن نطرح أي تساؤلات حول نية الولايات المتحدة الأمريكية من تلك الحروب التي تخوضها ضد الدول العربية سواء الحربية أو الخفية فجميعنا ندرك بأن الولايات لا تريد لتلك البلدان أن تنعم بالديمقراطية ولا الحرية وليس هدفها أن تحصل المرأة في تلك البلدان على حقوقها، ولا أن تحصل الأقليات المسيحيين على حقوقهم في تلك البلدان، فكل تلك شعارات تروج لها لتتخذها ذريعة لمحاربة تلك البلدان كما فعلت في العراق واتخذت من حجة وجود أسلحة دمار شامل لتغزو العراق ومن قبلها حجة حربها على الإرهاب لتغزو أفغانستان.
فالولايات المتحدة وحلفائها يدركون تمامًا بأن هذه الأنظمة إذا ما سقطت فإن البديل لها هو حكومات إسلامية وبالطبع هي تعي جيدًا معنى وجود حكومات إسلامية في الشرق الأوسط والخطر الذي ستواجهه إذا ما استقر الحكم لهذه الحكومات في الشرق الأوسط وخطورة هذا على أمن إسرائيل إذا ما تم إحاطتها بحكومات إسلامية في الأقطار العربية.
إذن فلماذا تغامر الولايات المتحدة الأمريكية؟ ولماذا ومنذ اللحظة الأولى للثورة المصرية تخرج منها عشرات التصريحات تؤكد فيها بأنها تفاجئت بالثورة المصرية؟ وكيف هذا والمخابرات العامة المصرية نفسها أكدت بأن هناك حراك شعبي كبير قد يتطور إلى ما هو أسوأ.
الإجابة بسيطة فأمريكا لم تغامر وتعرف جيدًا ما يحدث من قبل أن يحدث في هذه المنطقة وتعرف بأمر الثورة المصرية بالتحديد والثورات العربية جميعها قبل العام 2007 ليس هذا فقط. بل إنها المحرك الأول لها من خلال أيدي خفية تسميها (منظمات المجتمع المدني في البلدان العربية) والتي تحصل على دعم مالي من منظمات مجتمع مدني في الولايات المتحدة الأمريكية بعضها تابع للحكومة الأمريكية مباشرة والبعض الآخر تابع لرجال أعمال لهم علاقات بسياسيين أمريكيين.
ومن أبرز هذه المنظمات (منظمة فريدوم هاوس Freedom House) وهي مؤسسة دولية غير حكومية تتخذ من واشنطن مقرًا لها وقد تأسست في العام 1914، وتحصل هذه المنظمة على التمويل من قبل الأفراد ومن قبل الحكومية الأمريكية والصندوق الوطني للديمقراطية الذي يموله الملياردير الأمريكي اليهودي جورج سورس، وأبرز أعضاء مجلس أمناء منظمة فريدوم هاوس هو ويليم تافت الرابع ابن السفير الأمريكي السابق ويليم تافت وحفيد الرئيس الأمريكي ويليم هاورد تافت بالإضافة إلى زينب السويج وهي عراقية شيعية من البصرة وتحمل الجنسية الأمريكية هربت من العراق بعد حرب الخليج الأولى وعضو في الحزب الجمهوري الأمريكي وقد قامت بدورها بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر بتأسيس "منظمة الكونجرس الأمريكي الإسلامي"، ومن أهم أعضاء هذه المنظمة سعد الدين إبراهيم مدير مركز ابن خلدون المصري وهيليل فرادكين مدير مركز دراسة "مستقبل العالم الإسلامي" بمؤسسة هدسن الأمريكية المحافظة المعروفة بتأييدها لإسرائيل.
وكان أول فرع لمنظمة الكونجرس الأمريكي في الشرق الأوسط في القاهرة في حي مدينة نصر، والذي يديره (داليا زيادة) المدونة والناشطة السياسية الحاصلة على جائزة آنا ليندا للإعلام الأورومتوسطي لعام 2010 بعد هجومها على الأزهر الشريف بسبب فشل الأزهر في منع النقاب في مصر.
وكانت منظمة فريدوم هاوس قد أعلنت بأنها قامت بتدريب وتثقيف نشطاء من دول عربية مثل (مصر وسوريا والبحرين واليمن وتونس) على الديمقراطية وحقوق الإنسان وكيفية إسقاط الأنظمة في البلاد العربية، إلى جانب تمويل منظمات مدنية مصرية مثل حركة 6 أبريل. ولك أن تتخيل أن منظمة كفريدوم هاوس تعتمد في تمويلها بالأساس على البيت الأبيض ووزارة الخارجية ووزارة الدفاع الأمريكية وشخصيات يهودية صهيونية، ويترأس سلطة هذه المنظمة وزير دفاع أمريكي سابق، وفي عضويتها ومجلسها أعضاء سابقون في الجيش والمخابرات الأمريكية، فتستطيع الآن أن تعرف توجه مثل هذه المنظمة، وهل تهدف إلى نشر الحرية والديمقراطية أم تدريب النشطاء على طرق إسقاط الأنظمة؟
أما ثاني أهم تلك المنظمات فهي "Movements.Org" موفمنتس دوت أورج ويعود تاريخ تأسيسها إلى العام 2008 حيث عقد في ديسمبر من العام 2008 في مدينة نيويورك قمة لتحديد إشراك حركات الإنترنت خلال القرن الواحد والعشرين في منظمة واحدة والتي اشتركت فيها وزارة الخارجية الأمريكية مع كلية حقوق جامعة كولومبيا بالإضافة إلى شركات إعلامية عالمية، وانتهت القمة إلى إنشاء وإطلاق شبكة عالمية لتمكين الشباب من محاربة العنف والاضطهاد والإرهاب، وتم تسمية هذا المشروع بـ"جيل جديد".
وفي مارس 2009 افتتحت وزيرة الخارجية الأمريكية القمة الثانية لبرنامج جيل جديد في مدينة ميكسيكو سيتي وفيها استعرض المشاركون طرق استخدام وسائل التكنولوجيا في تعبئة الشباب في العالم لمحاربة العنف، وأعقب ذلك قمة ثالثة في العام 2010 بلندن تحت رعاية وزارة الداخلية البريطانية وشركات دعاية أمريكية كبرى، وانبثق عن هذه الاجتماعات منظمة تحت اسم "جيل جديد" والتي تختلف كليًّا عن باقي المنظمات المدنية الأخرى، فبالإضافة إلى أنه يهتم بنشر الديمقراطية في الدول غير الديمقراطية، فإنه يقوم على تدريب الشباب على استخدام وسائل التكنولوجيا والاتصالات للتواصل مستعينة بكبرى شركات الاتصالات في العالم، بالإضافة إلى شبكات التواصل الاجتماعي مثل فيس بوك وتويتر ويوتيوب، وليس مصادفة أن يكون مؤسس هذه المنظمة هو السيد جارد كوهين المستشار السابق لوزيرتي خارجية أمريكا كونداليزا رايس وهيلاري كلينتون ومدير في شركة جوجل وهو يهودي الديانة متحدثًا بالعربية والسواحلية والفارسية بطلاقة، وقد ألقى جارد كوهين محاضرة أمام وينيب بعنوان "النساء والشباب والتغيير في الشرق الأوسط" وموضوعها المحوري هو الديمقراطية الرقمية وقد أكد على أن الشباب في الشرق الأوسط أصبحوا مستعدين للتأثير الخارجي عبر ممرات التكنولوجيا (الهواتف المحمولة والإنترنت).
وكان لاقتحام مقرات أمن الدولة في الثالث من مارس 2011 والعثور على تقرير يخص الثورة المصرية الفضل في الكشف عن اعترافات لوائل غنيم أدمن صفحة كلنا خالد سعيد ومدير تسويق شركة جوجل في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حيث جاء في إحدى فقرات هذا التقرير بأن وائل غنيم قام بإطلاع أحد قيادات شركة جوجل الأمريكية وهو من أصل يهودي ويدعى جارد كوهين بأن إنشائه صفحة كلنا خالد سعيد كان قبل 6 أشهر، وأن كوهين كان قد تردد على مصر والتقى وائل غنيم ليلة جمعة الغضب (27 يناير). ولكن تبقى بعض الحقائق حول شخصية وائل غنيم خفية، ومسار جدل حول دوره في الثورة وحقيقة قيامه بإنشاء الصفحة أم إنه كان مجرد أدمن في صفحة كلنا خالد سعيد والتي أنشأتها في الأصل أخته، ومن ثم قام وائل غنيم بحذف جميع أدمن الصفحة كما قالت الناشطة أسماء محفوظ واستولى عليها ونسبها إلى نفسه.
وهذا هو جانب بسيط من بعض منظمات المجتمع المدني التي انتشرت في الوطن العربي منذ حوالي العام 2005 وحتى الآن.
ومن خلال هذا العرض البسيط المختصر لدور أسلحة الولايات المتحدة الجديدة في الشرق الأوسط لتغيير الأنظمة بطريقة مبتكرة (فوضى خلاقة) فقد جعلت من منظمات المجتمع المدني هي الذراع الأقوى لها في تلك المجتمعات وقد وفرت عليها تلك المنظمات مليارات الدولارات التي كانت ستنفقها إذا ما قررت أن تخوض حروب عسكرية ضد الأنظمة إلى جانب هذا الأثر السيئ وصراع الحضارات الذي سوف ينشأ من جراء تلك الحروب العسكرية.
إذن فربما نكون قد جاوبنا على الشق الأول من سؤالنا ألا وهو ماهية الفوضى الخلاقة، ويبقى الشق الثاني من السؤال وهو لماذا الشرق الأوسط؟
أذكر أنه كان لنا مقال تحت عنوان (حقيقة وثيقة هنري كامبل) ومدى صحة وحقيقة تلك الاجتماعات السرية التي عقدها قادة الدول المستعمرة في العام 1907، وكيف سيقتسمون تركة الخلافة العثمانية والتي كانوا يسمونها في تلك الفترة بـ (الجسد المريض)، ومدى خوفهم من توحد سكان تلك المنطقة في أعقاب سقوط الدولة العثمانية وحصولهم على التكنولوجيا ووسائل التقدم التي تمكنهم من قيادة العالم في المستقبل حيث كانوا يعدون تلك المنطقة (الشرق الأوسط) بأنها سوف ترث الحضارة البشرية وتصبح القائد لها.
إذن فالصراع ليس جديد وهذه الأفكار ليست دربًا من الخيال، فبعد زرع جسد غريب في هذه المنطقة وفقًا لوثيقة هنري كامبل والسيطرة على مقدرات شعوب هذه المنطقة وإبقائهم في فرقة وجهل وتخلف علمي وعدم امتلاكهم لوسائل التقدم، جاء الفصل الأخير من المشهد ألا وهو تقسيم وتفتيت تلك الدول لكي يستطيع الغرب القضاء نهائيًا على حلم الوحدة العربية وحينما يستطيعون تحقيق ذلك فقد استطاعوا ضرب الأمة الإسلامية في داخلها، حيث أن الدول العربية هي عماد الدولة الإسلامية وبدونها سوف يشهد الإسلام تأخرًا كبيرًا وضعفًا شديدًا.
حينما أنظر حولي وأرى حالنا وحال بلداننا، وكيف استطاع الغرب تفريقنا وتمزيقنا، والتحكم فينا بهذا الشكل المهين. أتذكر حديث نبي الرحمة وإمام المرسلين والمعلم والقائد والقدوة سيدنا محمد صلىّ الله عليه وسلم حيث قال:
"يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل ومن قلة نحن يومئذ قال بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن فقال قائل يا رسول الله وما الوهن قال حب الدنيا وكراهية الموت".
وها هي الأمم ومصداقًا لقول من لا ينطق عن الهوى تداعى علينا كما تداعى الأكلة على قصعتها، وها نحن كثرة ولكننا غثاء كغثاء السيل، وها هي مهابتنا قد نزعت من صدور أعداءنا وقد قُذف في قلوبنا الضعف والوهن لحبنا للدنيا وكراهيتنا للموت في سبيل الله.
إنني ومن خلال تلك الكلمات البسيطة أوجه نداء استغاثة ورجاء وأطلق صيحة لإخواني في العالم العربي والإسلامي جميعًا: رجاءً أخبروني أن ما يحدث في عالمنا اليوم هو ثورات عربية حقيقية، وليست فوضى. لا تتسلقوا وتحتالوا على أحلام البسطاء والشعوب التي ظُلمت لعقود وتجعلوا من أحلامهم مجرد وسيلة لتمرروا مشروعًا أسودًا أراده الغرب لبلادنا، لا تجعلوا من حدود الدم مشروعًا واقعيًا على أرضنا.
يا أيها المسلمون والمسيحيون، ويا أيها الإخوان المسلمون والقادة العسكريون، ويا أيها السنة والشيعة، ويا أيها اليساريين واليمنيين، والاشتراكيون والليبراليون، ويا أيها العرب والأكراد، ويا أيها الرجال والنساء، والشباب والشيوخ، ويا أيها الحكام والمحكومون، انتبهوا لما يحاك لكم، ولا تنساقوا وراء هذه الدعوات التي تنادي بتقسيم العراق وسوريا وليبيا واليمن ومصر وتونس والجزائر والمغرب والأردن والبحرين والسعودية والكويت وقطر والإمارات وعمان ولبنان والصومال كما قسمت من قبل فلسطين والسودان.
أثبتوا لنا بأننا لسنا مجرد دُمى تُحركها تلك الأيادي السوداء لليهود في كافة أرجاء الأرض، انشروا الطمأنينة في قلوب آبائنا وأمهاتنا وإخواننا وأبنائنا وبناتنا، أخبرونا بأن هذا الكابوس الذي ننساق إليه ليس حقيقي وأنكم قادرون على أن تحبطوه بوحدتكم وأن الشمس ستظل تشرق من الشرق لتخبر العالم أجمع بأن ها هنا بدأت الحضارة ولن تموت حتى يرث الله الأرض ومن عليها.