أعتقد بأن الفكرة لا تعرف الحدود، فهي تحتاج إلى عقل يفكر ثم إلى فن لتخرج إلى أرض الواقع ثم تتحول كالعدوى تنتشر من شخص إلى شخص، ويتكفل التاريخ بباقي العملية (الفكرة = عقل + فن+ تاريخ) وكل فكرة هي في حقيقة الأمر ثورة على الواقع، والشعب العربي عندما أخرج شعار (الشعب يريد إسقاط النظام) وهو مطلب فوضوي أرهب الحكومات المتمسكة بالعقلية التي تتميز بالديمومة، وقد يتبادر لنا تكرار التجربة الإيرانية في الوطن العربي، لكن التجربة لابد لها من فكرة أم وقد تعود إلى مرحلة البحث والثورة العقلية التي خاضها النبي إبراهيم - عليه السلام -، فالدكتاتور يمجد الصورة والظهور فهو يرسم نفسه في عقلك، ويتشبه بأنصاف الآلهة القديمة التي آمن بها اليونانيون القدماء، فهو ذلك البطل الذي يحرس الوطن ويحرس المشروع الأبدي وعندما يموت يوصف بالراحل وكأنه لازال في مهمة مقدسة لاتنتهي ولا تزال روحه تطوف من حولنا، فالعقل البشري (الآدمي) يميل إلى الغباء والسذاجة، فهو يمجد الديمومة حتى يظهر ذلك المفكر المتميز الباحث عن الحقيقة، فنحن نعلم بأن إيران لم تكن أيام الشاه تنتظر الخميني، لكنها كانت تنتظر صوت يتكلم باسمها، يضحي بنفسه في سبيل القضية فهو ظاهرة تاريخية؟ نحن لا زلنا نبحث عن العقل الأول الذي فكر في هذه الجملة التي تبناها الشارع العربي (الشعب يريد إسقاط النظام)، كان على تفكيك الجملة فهي تجمع معادلة بسيطة (الثورة = الشعب + الاسقاط + النظام) وكأن النظام يجلس في مكان عالي في قمة الهرم، والشعب الثائر يقبع في القاعدة. إن هذه الفوقية التي تميز النظام العربي، التي رغب الشعب في إنزالها إلى القاعدة اعتبرها النظام ثورة ومؤامرة،
ولهذا حاول الإسلام السياسي تبني الثورة رغم أنها ليست ثورته فهو لا يعرفها فهي تربت في الفايس بوك وتويتر واليوتيوب فيشبكة الانترنت كانت تتحرك عبر السكايب "Skype" في الحوارات البينية التي لا تستطيع المخابرات مراقبتها، ثم تحول الهاتف النقال المزود بعدسة كاميرا وسيلة إعلام لنقل الصورة ومشاركتها عبر الانترنت، سهلة الوصول اليها بدون مراقبة مثلما يحدث في قنوات الإعلام الحكومية، التي يديرها مخرجون يجيدون تسير الرأي العام نخو الاستقرار، وكشف المؤامرة الخارجية التي تريد هز الأمن،
فكل فكرة جديدة تحارب فكرة قديمة، وقد اعترفنا بغياب المثقف العربي في عز الربيع العربي لكن ملء فراغه الفكر الجماعي الذي يتشارك الأفكار، لكن بعد نجاح الثورة في تونس ومصر أصبنا بالعجز عن الإجابة هل كان الربيع العربي يطالب بالديمقراطية؟ أو أنه غازل الغرب بالكذب على نفسه وأعتقد أن لديه الحق في ممارسة الديمقراطية التي رادفت كلمة حرية في التعبير عن الرأي، ثم إن كانت الديمقراطية هي الهدف فلماذا ينتخب الأحزاب الإسلامية التي لا تؤمن بالديمقراطية في الأساس، هل كان هذا سوء فهم من الأنظمة العربية في تلبية مطالب الشباب الثائر، الذي لم نسمع مطالبه في الحق في العدالة الاجتماعية في العمل والسكن والصحة، فهو يريد أن يعيش حياته ولا يريد أن يضحي بها من أجل مشروع قومي فاشل، لكن القومية العربية في حقيقتها لا تعترف بالوطنية وبالدولة، فدفعت دلالة الكلمة ضريبة فشل الدولة الوطنية، فكفر بها الشباب العربي في كل مكان، وهذا الصراع الفكري الذي لازال في الشارع وفي المقاهي بعد مرور الربيع العربي حسب تجربة كل دولة، يجعل من المثقف العربي يعتقد بأنه سيكون هناك ربيع أول وربيع ثاني ويجب عليه أن يكون حاضر بقوة، حتى أنه أنشأ حساب في الفايس بوك وتويتر وبدأ يتعلم لغة الشباب ويقدم لهم النصح ليعطيهم روحه التي غابت في الربيع الأول حالمًا بربيع ثاني حقيقي، ولأنني أفكر في هذا الربيع الثاني الحقيقي علي الأقل علي المساهمة فيه ولو بقطرة وأضع فكرتي في كتاب، فأنا أبحث عن الحقيقة منذ زمن مثلما أبحث عن السعادة، وأحلم بالوطن العربي الكبير وأحاول أن أعيش الحضارة العربية التي تتصارع مع الحضارة الغربية، فنحن العرب مجتمعات ثورية بامتياز ترفض السكون نريد أن نكون أسياد أنفسنا ومن الصعب السيطرة علينا، لهذا نرى الاختلاف لغة بيننا و بلكاد نفهم بعضنا حتى في أبسط المعاني للكلمات، قد يصيبك كلامي بالدهشة لكن الحقيقة أننا غير قابلين للوحدة (عدم قابلية الاتحاد) نحب الاختلاف ونعشقه ونفضل التميز في كل شيء، وهذا يحدث نتيجة تنوع برامج التعليم في عمر الطفولة فنحن ندرس مجموعة من الأحداث التاريخية منعزلة عن بعضها البعض تنقصها المادة الصمغية التي تربط الأحداث ببعضها البعض، وهذه المادة موجودة في تاريخنا العربي لكن نحن فقط لم نكتشفها، فعندما نشعر بالعاطفة نحو عربي أهين أو نجح في دولة غربية، مهما كانت هذه العاطفة كونها حزينة أو سعيدة، فهي مادة صمغية تجعلني أفكر في علاقتي بالعربي في كل مكان عندما يلتصق الفكر ببعضه البعض، تظهر الحضارة العربية باسم القومية وإن كان الفرد مسلم تظهر الحضارة الإسلامية باسم الدين وهكذا فالمادة الصمغية موجودة، فهي عندي لغة سماوية ترتقي بالعقل العربي إلى الحكمة التي عرفها الإجداد في الإجابة عن الاسئلة الكبيرة لشعوب العربية.