عجيب أمر أولئك الغربيين الذين ملكوا العالم بسطوتهم أو كادوا، وعجيب تضامنهم أمام الأمم الأخرى، فعندما يختطف أحد رعاياهم أو يتعرض لأذى فإن العالم يقوم كله لهذا الحادث، ووسائل الإعلام جميعها تصرخ وتزمجر، وتهتز دولته غضباً، ويصبح حديث المسئولين فيها، وتبذل الجهود، وتقوم المفاوضات السرية حيناً والعلنية حيناً آخر، كل هذا من أجل مواطن واحد من أبناء تلك الدولة. أما إذا اختلفت دولة أوروبية مع دولة أخرى غير أوروبية، وقف الجميع صفاً واحداً أمام تلك الدولة، وهذا ما حصل في الآونة الأخيرة بين المغرب وإسبانيا عند اختلافهما حول جزيرة صغيرة كانت أصلاً للمغرب.
أما في البلدان الشيوعية سابقاً، وفي بعض بلدان العالم الثالث، فالإنسان فيها على وجه العموم قد لا يساوي قيمة كبيرة، فهو في مربعه محتقر، وفي داره ذليل، وبين أحضان أهله غريب، يتكلم بلا لسان، ويطلب من جلاده الأمان، إن عاش فكالنعامة، وإن مات مع السلامة!.
صورتان متناقضتان للإنسان بين الشرق والغرب، في الأولى هو إنسان يتمتع بحواسه كلها، ويمارس الرياضة، ويعيش في نظام، وفي الثانية يكاد يكون معدوم الحواس، فهو لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم، بطنه من الجوع ضامرة، وعيونه من البكاء غائرة، يبحث عن لقمة تسد جوعه، وخرقة تستر عورته، ينام على الرصيف، ويكفيه في يومه رغيف.
إن التلاحم بين الفرد والمجتمع هو من أهم أسس النجاح والتفوق الحضاري، وقد طلب منا النبي محمد عليه السلام أن نكون كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، وهذه أسمى صورة للتكافل الاجتماعي يرسمها دين على وجه الأرض، ولكننا غيبنا هذه الصورة، فنحن نملأ الدنيا ضجيجاً حول حقوق الإنسان في الإسلام، بيد أن الواقع شيء آخر، حيث هذه الحقوق لا نكاد نطبق منها شيئاً، والتعاضد يكاد يكون مفقوداً بين أبناء الأمة الواحدة حتى على مستوى الرياضة والفن.
وإذا كنا نعجز عن إطعام الجائع، ونصرة المظلوم، وإيجاد الحلول العملية لمشكلات الشباب، فكيف سنجد حلا لمشكلات أكبر؟ لقد أصابنا العجز في كل شيء، حتى في التفاهم فيما بيننا، مما جعل الأمم الأخرى تهب لنجدتنا كما تزعم، وتسلمنا غصن الزيتون، وهو يقطر من دمائنا.
إننا إذ نذكر النواحي الإيجابية عند الغرب ليس بقصد مديحه، ففيه من السلبيات ما يكفيه،
ولكن علينا أن لا ننكر أهمية تعاضده أمام الآخرين، وحرصه على أبنائه خارج حدوده، ألسنا أولى منهم بذلك؟
ويرجع السبب في هذا التلاحم بين الفرد والمجتمع إلى ما حققه المجتمع للفرد من الحرية والكرامة، حتى صار الفرد يحس بانتماء حقيقي لهذا المجتمع، وهو انتماء نجده حتى عند الأقليات المهاجرة التي تجد في غربتها من الأمن والحرية ما لا تجده في أوطانها الأصلية، يقول الأستاذ مختار مسلاتي عن الإسلام في أمريكا: (إن المؤتمرات الإسلامية، وحلقات الدرس الأسبوعية بالمساجد، التي تقام في طول وعرض أمريكا هي ظاهرة من ظواهر الصحوة الإسلامية المباركة، وهي أيضاً لها أثر طيب في تثقيف كثير من المسلمين الذين اكتسبوا الإسلام بالوراثة، ولم يعرفوا منه غير العبادة والصوم والزكاة ـ إذا كان في الواقع عرفوا ذلك ـ وساعد على ذلك جو الحرية التي أتاحها القانون الأمريكي وضمنها، فأصبحت المساجد مفتوحة لمن يريد أن يتعلم ويعرف حقيقة دينه، وهذا المحيط لا يتوفر في كل الدول العربية، وبعضها يصل بها الأمر لغلق أبواب المساجد بعد وقت قصير من إقامة الصلاة، ولا يتركون إلا ركن صغير منعزل به حصيرة قديمة مهترئة ومثقوبة ليؤدي عليها من يريد صلاته في دقائق ثم يذهب).
إن حرية الإنسان وكرامته هي أساس التضامن والتلاحم بين الفرد والجماعة، ولله در أبي الطيب حين قال:
وكل امرئٍ يُولي الجميلَ محببٌ
وكلُّ مكانٍ ينبتُ العزَّ طيبُ
فهل يأتي يوم يتضامن فيه أهل المشرق ولو صورياً علما أن الأديان السماوية والحضارات القديمة انبثقت من الشرق فاستنار منها العالم، أم سيبقى الاختلاف هو الشيء الوحيد المتفق عليه حتى قيام الساعة؟