حوار:- الشاعر ايمن اللبدي /رئيس التحرير
شاعرة وأديبة وإعلامية أردنية، حميمة وصديقة ومحبة للقلم والصورة والفكرة، قوية وحازمة ومباشرة وصريحة، شفافة وواضحة وعفوية، إحدى الفعاليات النسائية النشطة باكرا على شبكة الإنترنت العربية، تحاول اصطياد التميز ما أمكنها، وتسعى إلى حديقة شهية خاصة بها، وتخطو على إحساس عالٍ من المسؤولية ومن قيمة الكلمة وعظم موقعها، باختصار نترك القاريء مع ضيف حيفا : بريهان قمق
س1- هل كتبت أشياء جميلة تشبه الحياة ، أم ليسَ بعد؟
الأشياء الجميلة مخبوءة تحت معاطف الأحداث الجسام التي تعصف بنا، والمتغيرات الهائلة في سمات الإنسان فينا ومن حولنا. الحياة تحتاج إلى طاقات هائلة لاكتشافها من خارج دالية عنب، ودفلة مساء، وغيمة عابرة.. إنما الكتابة إحساس عارم بالفتنة في ممارسة العري والتوسد بين ذراعي الريح ، والإبحار عبر سفينة مسحورة بالسؤال في عوالم وأرخبيلات .. لذا فإنني اكتب كما يكتب البحار أزمنته، كي يصل الجوّانيّة فيرى بوضوح شديد كامل المشهد العميق.. أتمنى أن اكتب ما يشبه الحياة بانعتاق كامل من كلِّ القيود ، كي أتخطى كل اكتظاظ يثير جلبة في فكري وذهني ، لعلني أفصح عن نفسي بامتلاء كوني ملغية المسافات بين أنواتي كعارض مؤقت وبين الحقيقي الذي لا ينضب ، أساسه الإيمان بمبدأ أنه في وسع الوعي الإنساني أيا كان أن يتسامى محققا اشراقة خفيّة فاتنة لجوهره الكوني الإلهي المشترك بين كائنات الخلق بغض النظر عن ألوانهم واختلافهم .. فالكتابة إيقاع التاريخ والميثولوجيا التي تتجدد بموت وحياة في الحاضر ذاته وهي ترتكز على بلورة الماضي والمستقبل بخصوصية الراهن النادرة ، ربما شكل من أشكال التعاطي بسيكولوجية داخلية فرديّة وجمعية في آن واحد ، تساند جهد المستطاع في التقاط اخر ما تتوغل به هذه العاطفة التي اسميها شديدة الإنسانية والمعاينة لبؤرتها ..
أكتب لأنني أعيش مستنقع الهزائم و محنا ممتدة، أكتب كي أذيب الماكياج عن المحنّطات في الحياة، وكي تشير أصابعي إلى حيث النور المنبعث من بين الجماجم..
أتمنى أن اكتب أشياء جميلة تشبه الحياة، لان الحياة برأي وبمنظوري جميلة، عظيمة، رائعة ونستحقها بالكامل وبحقيقتها ، وربما ذلك اصرخ بهمس ، فالكتابة تعطيني فرحا كبيرا كما تعطيني قلقا وبكاء أعظم ..
اكتب كانسان بغض النظر عن الجنسوية ، لأنني التقط الحجارة المنهمرة على كينونتي الإنسانية وأريدها أن تصير بذوري شجرة في ظل ما يبدو مجردا ووجوديا ، فأدخل شبكتي العصبية ، كي تنير الكترونات خلاياي .. فيومض قلبي بكلي كخلية كونيّة..
اكتب بعشق كما النحلة التي تجهل الصيغة الكيميائية لعسلها..أكتب و دمي الحبر ونقر الكي بورد يندغم بصوت أنفاسي والحروف خط بياني لما أروح إليه في مناطق قصية تصير اللاعودة ..
س2-ما الذي أضافه لك الموقع الخاص في تجربة النشاط العنكبوتي القديمة؟
موقعي هو أناتي بخلاصتها الأرضية قبل أن تكون انترنتية .. فلا تنسى أنني حملت معي واقعا حقيقيا عمره عقود من الزمن ، ولم يكن عالما ابنيه انترنتيا فقط ..وبالتالي التراكم ليس معزولا عن الواقع المعايش..
الموقع الشخصي تكثيف للنتاج اشتغلته بمزاجي الشخصي بمزج الصوت والصورة والكلمة بابتكار عايشته سنوات مضت عبر مواقع أخرى كانت شخصية أيضا ، لكنني هذه المرة لجأت إلى مؤسسة محترفة ، بعدما تعبت من المشكلات الفنية التقنية وتدخلات الإعلانات ، إلا أن التصميم كان قائم على اختياراتي ورؤيتي الخاصة، كي اشتغل عليه بنفسي .. موقعي هو الحوار البصري والصوتي والحرفي أتواصل فيه مع العالم ،
حيث أرتكب خربشاتي ، بين كائنات لا تعد ولا تحصى من المخيلة الحالمة تسكن رمش العين ، يتقاطع فيها النص والصوت والصورة في زمنٍ افتراضي إلاّ أنه يقينا ما عاد افتراض ،مستذكرة بيتا شعريا جميلا لأبي الطيب المتنبي :
أحلماً نرى أم زماناً جديداً
أم الخلق في شخص حيّ أعيدا
نمسك المعنى لأجل المعنى في اللامعنى بغية استخلاص عصارة حكمة المعنى ، نقترب.. نلامس القلب ببتلات الورد ونبحث عن رذاذ النور..
فالشبكة نبضات وموجات والكترونات طاقات خلاقة ، وتجربة مذهلة وشخصيا منحازة إليها ، لما تتسم به من إمكانات العمل الفردي المدهش تماما كما يمكن أن تكون جماعية بمنطق وحدة الوجود..
اعترف إنني لست على انسجام مع بعض أوجهها وخدماتها كالماسنجر مثلا رغم استخدامي له عند الضرورة ، أو الدعوات التي تصلني للاشتراك ببعض الخدمات ووسائل الترويج والتعارف التي أجدها بعثرة وغير صادقة في غالبيتها ،أو لجوء البعض إلى التمويه والخداع بحكم الاختباء وراء الشاشة .. إنما كنت محظوظة في تعرفي بالكثير من الأسماء العظيمة التي أعدها إضافة مهمة لي ، ولولا الانترنت لما كانت ستتاح لي فرصة التعرف عليهم مباشرة .. أقضي وقتا رائعا في التجوال عبر دروب العالم اقرأ بشغف شعراء العالم وأدباءه أو أطالع وأتعرف على مستجدات فكرية وفلسفية وبخاصة الروحانية ، أو ازور متاحف الدنيا ومعارضها ، أو الناسا الأكثر جذبا لي كي أتتبع ابرز ما ينشرونه من مكتشفات الفضاء والكواكب والمجموعات الشمسية المدهشة كالصور والمعلومات، كل ذلك استضيفه كمواقع صديقة أروح إليها بشغف. أو عندما أطور تقنياتي وأدواتي في بعض الفنون كالتصوير الفوتوغرافي ، أو تطوير أدواتي الفنية في عالم الفوتوشوب ، أو عندما أتسوق وابتاع أشياء متعددة منها الكتب ..
الانترنت صيرورة لها توغلها وعمقها إن أردنا تجاوز مقولة أنه يمحو بعضه بعضا امحاء كاملا . ولكن الحقيقة وفي ذهن المنسجم مع ذاته فان ما يتيحه من إبداع واكتشاف حتما سيكون مستوى حياتيا مدهشا بمعطياته وهرما جميلا ، فهذا عالم مازال يتكشف عن إمكانات عظيمة يوما بعد يوم ان أحسنا الاشتغال عليها ..
ليس لدي تجربة قديمة بل تجربتي حديثة قياسا بعمر الزمن ، منذ أن فتحت أول بوابة عبر بريدي الالكتروني الأول في الهوت ميل عام 1997 والذي مازلت احتفظ به ،صحيح ان السنوات العشر تجربة ثرية ، حيث شاركت أصدقاء مبدعين أعزاء في إنشاء وإدارة العديد من المواقع المؤثرة والتي تركت بصمة واضحة في الانترنت الثقافي..
س3- أبجديات وحروف ووشوشات ، اين تلتقي وأين تفترق؟
في مخابئ الروح أو الطريق اليها ثمة أبجديات فوق الجمر ربما هي خربشات الروح ، أو موجات وتراتيل.. وقد تصير شذرات من أثر الشمس ، أو تتنفس عند حروف موشومة السديم..أو حروف مجنحات، حيث صمت مخطوف وليل يروح إلى ما وراء الأقاصي..وأشيائي المحببة الصغيرة ، ياه كم تبعثرت أشيائي وباتت عناوين إلى ناس كثر..حتى وشوشاتي عند الرؤية دوما الإنسان ما يزال فيها سؤالا ..
وما بين قوسين ثمة شمع الكلام وفكرة ما ، تطل بعناد كي تتمدد على الورقة أو الشاشة ، لذا تحدث تداخلات مع كتابات وإبداعات ، ويظل النقر على الكي بورد متواصلا كي يكون للهمزة مكان، والنقطة تطير فتوشوش المسافات ..
لايوجد عندي افتراقات ، بل يوجد دوما عناق .. لأننا في أجزائنا لا نفترق كي نكوننا ، بل ثمة اشتعال واضاءات ، حيث الالكترونات تشع في حراكها المثير حول النواة ، ناهيك عما هو اصغر فاصغر .. وهكذا اشتعالاتي واشتغالاتي وأنواتي وعناويني كل منها يحيك نسيجا للحياة للفكرة للروح..
الذات ينبوع للتجربة إلى ذاكرة ودورها في صوغ العوالم ، و مستعينة برمزية اللغة ، بغض النظر إن كانت أبجديات فوق الجمر أو حروف تتلظى في روح الشعر ، ذلك لأن القصيدة لدي هي وليدة الأزمات المستعصية والأحزان الدفينة والتضاد الحاد بين الواقع المشتهى والواقع المعاش بكل ما يعنيه ذلك من خذلان وانكسار وغربة، تأتي الأنفاس مشحونة بالتوتر والانفعال، مزدحمة بالكلمات، كثيرة الرموز والإشارات، ممعنة في المجاز، تعتمد في بنائها العام على السرد والتداعي والاسترسال وتحمل معها مناخاتها.
وفي المقال وحتى الشعر أخاف أن تصير اللغة جدارا من المرايا ، أخاف من رؤية الأشياء والموجودات في صورة منعكسة لا في صيغتها الكائنة الحقيقية ، لذلك تكون الحروف وشوشات ، حتى وان كانت بكاء مسموعا أو ضحكة مجلجلة .. لذلك ربما أحادث الذات :
اسكبي دمعتكِ أو ضحكتكِ و ازرعِ أرضكِ العطشى ، شيئا من ضوءكِ الداخلي ، روحك ستمنح الحروف الأبعد من الذاكرة كل معنى ..
بسمتكِ ووشوشتكِ بوجه الليل ستنبت النهار ..
لذلك أقول بصوت مهموس أكثر: وقد لحقت السراب طويلا فلن اسمح للرمال المتحركات من ابتلاعي، أو دوّامات الماء من إغراقي.. لذلك يجب أن توشوش الحروف ففيها الخلاص..
الافكار ربما تبدو مقيمة في الوقائع الحروفية التي تصدم حينا وتعانق حينا آخر .. ووسط الحروف واللغة ثمة
قلق ، لذا تروح هذه النفس تذرع ردهات القلب وشرايينها جيئة وذهابا، قد تنعطف الكينونة لتكشف بعض الخافية فيها برؤيوية، ونصية، كونها في النهاية تختزل تلك النفس ومبعث ذاك القلق، وما ان تأتي الومضة تصير الرؤية شديدة الصفاء ، وبسرعة مذهلة يتحقق حضور الوعي .. ونظرا لان اللغة خيانتنا.. وها قد باتت أرواحنا تسري عير أسلاك التلفون وعبر مفاتيح الكومبيوتر وقد ألغينا المسافات فما الذي يحدث ؟؟؟ المزيد من العزلة والخيانات للذات الإنسانية ..!! هنا يصير قلقي وسؤالي ما لم نطور بعدنا الروحي مستفيدين مما يحدث ستكون خيانة الروح هزة عنيفة.. لذلك لا يوجد مسافات ألغيها سواء في الحب أو الوطن أو الأم أو الأرض أو الفكر أو رعشة الروح..
س4- كيف ترين هذه الصفة "ناشط /ناشطة انترنتية" في العالم العربي؟ وفي بقية العالم!
الناشط هو الممارس لنشاط مؤسسات المجتمع المدني عبر شبكة الانترنت بما تتيحه من قدرة التواصل العالمية والسرعة وسهولة انتقال المعلومات.. نحن إمام قضية يقدمها الانترنت بغض النظر عن نوعية نشاطه : مثل التسهيل التضخيم والتعبئة والتفسير والترتيب والتبسيط ولربما التبرير .. وبالتالي عربيا نجد عدة تجارب رغم ان العمل بعد مازال ضعيفا وفيه الكثير من الشخصنة بهدفية تحقيق انجازات على صعيد العلاقات العامة والشهرة أكثر منها الدفاع عن قيم حقيقية .. أما من ينشط حقيقة فإنه يصطدم بواقع الحريات الهزيل بل السجن والملاحقة أحيانا كما يحدث للمدونين والبلوغرز العرب في أكثر من بلد عربي .
قبل فترة نشط نشطاء يهود بكل مستوياتهم الثقافية والاجتماعية عبرالانترنت، وانشئوا موقعا خاصا بمشاركة الإعلاميين والأساتذة الأكاديميين من تخصصات مختلفة ، انتهاء بطلبة المدارس. وكرسوا جهدهم لتأليب الرأي العام الأمريكي لمنع تثبيت تعيين الأستاذة الفلسطينية الأصل والأمريكية الجنسية الباحثة ناديا أبو الحاج، ذلك لان أطروحتها الجامعية قدمت رؤية نقدية- من منطلقات علمية بحتة - بإحدى الروايات اليهودية التاريخية التي ليس لها سند تاريخي أو اثاري فيما يتعلق بحرق العائلات اليهودية في القدس.. فقامت عاصفة هوجاء مذهلة مقننة لم أجد موقعا عربيا واحدا كرس جهدا باللغة الانجليزية أو حتى العربية لتحريك الرأي العام العربي والعالمي ليواجه اللوبي اليهودي للدفاع عن حق تثبيت الباحثة كأستاذة دائمة في جامعتها كولومبيا ، أو لم أرى نشاطا عربيا لأي قضية حتى لأهل غزة في حصارهم اللاانساني خارج المهاترات السياسية بين القطبين المتنافسين، أو تفاعلا واسعا مع احد المواقع الذي ينادي بإيقاف مهازل قتل الشرف ،او مآسي العراق والصومال ولبنان وغيرها مئات بل آلاف القضايا التي تعانيها مجتمعاتنا العربية سياسيا واجتماعيا .. بينما العاصفة الصهيونية اشتغلت على عدة مستويات منها الكتابة والنقد والدفاع عن الحكاية اليهودية- رغم انه فعلا لا يوجد لها سند وتأكيد سوى الكلام الشفاهي - بالإضافة إلى تجميع آلاف التواقيع ، وتوجيه آلاف الرسائل لمخاطبة إدارة الجامعة ومنع اجراءتها الإدارية ، ومخاطبة الصحافة للتشهير والتشكيك بقدرات الاستاذة معرفيا وعلميا ..وكنت يوميا الحظ التجديد على الموقع على مدار الساعة ضد الباحثة ناديا أبو الحاج..
وبالتالي المقارنة بما لدينا ولدى الآخرين في هذا العالم الواسع المتعدد الثقافات مبكي بل يصل حد الفضيحة...
ليس لأنهم أفضل منا ، بل لأن المعلوماتية كسحتنا وعوضا ان ننتجها بفاعلية بتنا لقمة سائغة للتجمعات الضيقة والإقليمية والطائفية والمذهبية والفصائلية ولا نراها إلا بعين أحادية..
إضافة إلى جملة حقائق أخرى مؤلمة مثل ضعف الاستخدام العربي، وآخر الإحصائيات تقول إن نســــــبة المســـــــتخدمين في منطقة الشرق الأوسط رغـــــــــم معدلات النمو العالمية ، منخفضة جدا ، حيث يســـــــتخدم الإنترنت في هذه الرقعــــــــــة من العالم 1,8 بالمائة فقط ، ويصير السؤال ما معنى ومن الناشط من بين هذه النسبة المنشغلة بطوائفها ومذاهبها وفصائلها وتجمعاتها الضيقة .!!! ؟؟
س5- بم تصفين التجربة الاعلامية لديك؟ وهل التجربة العنكبوتية افتتاح طريق جديد ام استكمال رسالة!
كانت رحلة وجود عبر السؤال الذي يستولد سؤال ، بجزئية هدفية اعمار الأرض ، انشغل واشتغل اسأل واتامل وامضي في مهنتي وكتابتي وصوتي ..
بالتالي يصير العمل أسئلة متداخلة بين القيم والاكتشاف والأهداف و سؤال الحياة ..ربما أقولها بمنتهى الثقة إنني دوما وعلى الدوام مهنيا الباحثة النهمة القلقة.. انهمكت في تجارب عديدة من البرامج الاجتماعية والأسرية والوثائقية والثقافية والسياسية والندوات وإجراء اللقاءات والحوارات والمسابقات الثقافية ..
كل هذا شكل نسيجا جميلا ملونا وقويا لكل لحظة وقوف أمام الكاميرا وقدرة استحضار جملة خبرات أعانتني في الكثير من اللحظات العصيبة التي صادفتني وباغتتني..
الانترنت جزء لا يتجزأ مما يمكن تسميته بالثورة المعلوماتية عبر جملة وسائط الميديا الحديثة ، مرحلة تستجد على وسائل الإعلام المتعارف عليها ، وبالتالي الولوج إليها واستخدامها حتمية تاريخية ليس فقط للإعلامي بل لكل أهل الاختصاص في العالم وقد بات وسيطا أساسيا ..والبوابات تفضي لبعضها البعض ، ووسائط الميديا متكاملة وليست منفصلة ، نحن الآن نتخطى الإعلام بمعناه التقليدي وننتقل تدرجيا إلى مجتمع المعلوماتية ، التي تتطلب فهما عميقا لآلية هذا الانتقال ..
المفاهيم برمتها تبدو جديدة في الأدبيات الإعلامية وحتى الثقافية والعلمية عربيا .. ثمة واقع ملموس ينطوي على مأمولات المشاركة في تحولات العصر من جهة ومن جهة أخرى كل هذه التحديات الخارجية والداخلية التي تحاول هدم وتقويض الانجاز أو المحمول أو القيمة أو الرسالة ..
ثقافة المعلوماتية أو المجتمع المعلوماتي ميزة العصر وهي قضية شائكة ومحاطة بصعوبات جمة وهو ما يتطلب وعيا وفهما أعمق وأكثر جدية من قبل شرائح المجتمع والمتعاملين مع وسائط الميديا برمتها وليس فقط الانترنت فالوسائط تصل إلى كل صغيرة وكبيرة في حياتنا ..
لكنني هنا احب التركيز على هاجسي كإعلامية أمام الراهن الإعلامي الذي يقف أمام تحد وقد طرأت تغييرات على قواعد ونظريات العمل الإعلامي وبخاصة بعدما بات الإعلام الأمريكي إعلاما مسيسا وإعلاما حربيا أو ما يسمى بعسكرة الإعلام ..فان كنا نشكو هيمنة الدول والحكومات والأنظمة على الإعلام نحن أمام متغييرات اعترف انها مرعبة، وبخاصة اننا- عربيا- نعاني ضعفا في البنى الاجتماعية وغياب المؤسسات المجتمع المدني الفاعل إلى جانب سيطرة كبريات الشركات الاقتصادية الأمريكية والأوروبية على عدد كبير من الصحف ومحطات البث الفضائي والإذاعي والتلفزيوني والتحكم أيضا بالإعلانات التي باتت شريان الإعلام ، والتحكم تقنيا بمسارات الانترنت بالكامل وبكل مادة مشاهدة او مسموعة وحتى مقروءة والتي سوف يتم إخضاعها لمبدأ المنفعة الربحية للإعلام الذي تعسكر...
س6- متى اكتشفت الذات الشاعرة ؟
لولاه لكنت يتيمة كما قالها حمزاتوف ، فالشعر هو الروح الخافق الذي ينطوي على معرفة سرية نشعر بها ولا نعرف تفاصيلها، مشكلا مستودعا ضخما لانشغالات الروح، وبخاصة انه لا يقدم إجابة .. فالشاعر/ة ليس/ت مصلحا /ة ولا باحثا/ة اجتماعية ، إنما صوت وغناء للحياة و القلق الإنساني، ولو امتلكت إجابة لما كتبت حرفا ، وليس امامي إلا أن أتغني بهذه النار القلقة دوما وأثير التساؤل والقلق أكثر. التساؤل تعبير عن حيرة عندما تتشعب الطرق وتصير كعنقود من الاحتمالات والممكنات، احتمالات الإخفاق واحتمالات النجاح وليس له جواب نهائي ولا بوصلة تدله على يقين ، حقا انها حالة القلق المحض..
الشعرية ظلت مخبوءة تتلمس الطريق الجواني ، بسبب ما تستحسنه العائلة والمحيط من أشكال شعرية محددة ولا اعتراف بغيرها ، ربما كنت بحاجة إلى زمن طويل كي أعلن تمردي ..
ربما عندما بدأت أعي حقيقة أن الشعر لا يقع في اللغة أو في الكتابة وحسب، بل هو سلوك وأنفاس وبصيرة وكلمات وأشياء إنسانية عالية الشفافية.. الذات الشعرية متجددة بتجريداتها ، لا بداية ولا انتهاء لها ..
ربما لما اكتشفت بساطتي وعفويتي داخل كل التعقيدات القلقة المحمولة بأسئلة ومزاج ثقيل قابلة إن تصير خفيفة للغاية ..
س7- ما هي الرؤية التي تراها بريهان في العلاقة بين الأدوات وطبيعة الرسالة!
الأدوات أحيانا تصنع الدهشة وهي أول المعرفة كما يقول قدماء الإغريق..ولكن ثمة ما اعترى هذه المفاهيم من متغييرات بطبيعة المتغير السريع في الأدوات وإحداث الأثر فيها وتحكمها الهادر بالإنسان ذاته..
يبدو لي أن ثمة إشكالية حادة تواجهها كل المجتمعات سواء دول الشمال أو الجنوب ، مجتمعات ما بعد الحداثة ونحن الذين بعد عالقين في مرحلة ما قبل الحداثة والحداثة ، بيننا وبينهم وبيننا وبين أنفسنا وكل هذا يؤثر على القيم المستولدة من الأدوات التي هي أصلا مستوردة والتي تغلغلت القيم والتي يمكن تسميتها بالرسالة أيضا كما أشرت بتساؤلك ..
فمجتمعات التكنوترونية والجينات ووسائل الاتصال المتسارعة المذهلة دخلت بقوة هائلة إلى حد التغيير الجذري في بنية المجتمعات الإنسانية إلى حد تغيير تسميتها من مجتمعات بشرية وإنسانية ومجتمعات الحداثة إلى استهلاكية .!! ولم تعد ثابتة أمام الأدوات المتغيرة ، فالقيم انقلبت رأسا على عقب ، والمنتج لهذه الأدوات يستولد قيما تصب في مصلحته ..
ومن المؤسف قوله انه ستحدث المزيد من المتغيرات أو يقابله الجمود بسبب الخوف من الانجراف ، وبين هذا وذاك نجد الرسالة أو القيم لم تعد محددة الأهداف ولا القيمة، ذلك لان المجتمعات باتت تميل إلى تسفيه المعرفة العلمية وتفريغها من محتوياتها التحرري التقدمي وصولا إلى إنكار وجودها كما العدمية المعرفية والفوضوية المعرفية..وهنا بات التحدي ، فالأدوات باتت تمتلك قوة طاردة للقيمة والفكرة السامية ، كما بات واضحا عبر الأدوات التي نستوردها ولا نعي من استخداماتها إلا الجزء القليل ، مما يؤثر على تطور الرسالة أو الهدف..بل تتحكم بنا عوضا أن نتحكم بها..
اليوم بتنا نمتلك من وسائط الميديا الحديثة ما انزل الله من سلطان ولكن اخبرني عن خبر واحد زلزل الشارع العربي فحركه فاعلا..ّ؟؟ بمعنى أن الأدوات تقدم معلومة ولا تقدم معرفة تغييرية قابلة لتحقيق رسالة ، ذلك لأن المعلومة لا تقدم تغييرا ، فمثلا الهواتف النقالة لم تقرب بين أسرنا ومجتمعاتنا قياسا ما كان قبل ثلاثة عقود وما كانت تحققه الهواتف البدائية التي كانت نسغا عاطفيا مذهلا عبر هذه الأداة يقابلها اليوم ثرثرة جوفاء وعزلة ضارية بين البشر.. الفضائيات والإذاعات وكل الرسائل الإخبارية أدخلت المتلقي العربي في فراغات الأصوات التي تدخل وتخرج ولم تسبب سوى الإثارة العابرة أو التباس الحقائق سواء خبريا أو فنيا، فنسمع جعجعة ولا نرى طحنا ولا زرعا ..
التطور المذهل في العلوم كان منفصلا على الدوام عن الروح ، لذلك الأدوات على الرغم من حياديتها لكنها استمدت موقفا من الطاقات العقلية الكولوينالية وباتت كاسحة لإنسانية الإنسان ، وبالضرورة نحن اليوم بأمس الحاجة في ظل المزيد من تطور العلوم والمزيد المذهل من الأدوات التي يقذفونها بوجهنا وتتغلغل خلايانا وحلزونات الذاكرة الإنسانية بتنا بحاجة إلى إعادة انسنتنا ..
نعم الأدوات التي تطورت اليوم إلى حد النانوتكنولوجيا باتت تلغي الحدود الفاصلة بين التفكير واتخاذ القرار إلى سلوك مدفوع ..إنني اخشي موت الإنسان عبر أدوات تتغلغل تدريجا عقله وسلوكه وقلبه ، فمن المؤسف أن الأشباح في السابق كانت تأتي من الماضي أما اليوم فهي تأتينا من المستقبل كما قالها بريشت ...
س8- متى سنرى مجموعة مطبوعة للشاعرة بريهان قمق ؟ وهل التوقيع الذي تستخدمين له دلالة ما !
قريبا جدا .. انا في طور التجهيز لذلك ، رغم عدم اقتناعي بالنشر الورقي اليوم ، لكنني ها انذا ارضخ لضغط الأصدقاء .. بصراحة أقولها وأنا أرى الدواوين تروح إلى الاهداءات بغض النظر عن عدد النسخ المطبوعة أكانت ثلاثة الاف أو الف ام مائة ، كل الدواوين تروح اهداءات فقط ..مستثنية بالطبع المرحوم نزار قباني ومحمود درويش ولذلك أسباب جماهيرية.. الأدباء لا يقراون ، والأمية تطل بوجهها البشع وتعود إلينا بشراسة من البوابات الخلفية ومن النوافذ بعدما أخفقت التربية والتعليم في كل البلاد العربية ...
أما توقيعي ودلالته ، فقد تحدثت عن الأمر كثيرا في اللقاءات الصحفية والتلفزيونية.. ابنة ربة عمون ، لقب يعني إنني من أبناء وبنات الريح والتراب والنار والماء ونور الروح المقدسة.ابنة الاعتراف بالناس من مختلف الجنسيات وعلى اختلاف مشاربهم ، ليست قضية انشطار بقدر ما أنها قضية تعدد الذات التي لا يمكن أن تكون واحدة فأنت تحمل في ذاتك الحضارية أكثر من أنا وأكثر من هوية بحكم الانتماء لحضارات وثقافات متعددة فأنت تنتمي لصوت الفلاح والبدوي والمدني ، بالإضافة إلى تعدد الثقافات والاثنيات . إنك لا تستطيع أن تنفصل لا عن تواريخك ولا أزمنتك وبالتالي يخرج مني هذا الكائن المركب والمتعدد، لذلك لقبي كابنة عمّانية يروح إلى هذا المعنى ..
س9- كيف ترين النشاط الثقافي العربي في مسألة الانجاز ، هل هو مرضٍ مقارنة بحقبة مضت !
إطلاقا غير مرضٍ ، فعند تتبع معارض الكتب العربية في كبريات الحواضر العربية ستجد أن بيع الكتب يتم بالدرجة الأولى عن طريق ما يسمى بالمؤسساتية أي ما تشتريه الجامعات والمؤسسات كي يزين المكتبات وليس الأفراد، لان الفرد العربي لا يقرأ ..!!! في المنتديات والملتقيات الفكرية تجد مقاعد الجمهور فارغة ما لم يدعو الأستاذ تلاميذه فيأتون ، ربما كي يحصلوا على بعض العلامات، أو الصحفيين ليقوموا بتغطية الخبر ثقافيا في صحفهم، وان حصلوا على الخبر مطبوعا فلن يأتوا أبدا.. دلني على أمسية شعرية ، أو فكرية واحدة تمتلئ بالحضور بالآلاف كما يحدث لأي مطرب ومطربة ممن ينتمون إلى ثقافة السوق..!؟
كان العالم يقدم على امتداد تاريخه مفاتيح الدخول إلى عالم مختلف بينما اليوم تكسرت هذه المفاتيح ونحن بعد ننتظر ونرقب عما ستسفر عنه الشروط التاريخية الجديدة لمفهوم في غاية الخطورة بان الثروة الجديدة هي المعلومات ،والإبداع في ابتكار الجديد الذي يدر أرباحا خيالية ، ولربما تكون معلومات مسطحة أو مشروعا سطحيا ..!! العالم يمر الآن بمرحلة ونحن جزء منها اللاعبون الجدد تغيروا تماما، فلم يعد المثقف ولا صاحب الخطاب الجماهيري لان هذه الجماهير بات مزاجها يتشكل وفق اشتغال مبرمج ومدروس عليها..
لستُ ماضوية ولا من المأخوذين بمقولة إن الماضي أفضل ، لا ليس أفضل أبدا ذلك لأننا إلى المستقبل ننتمي أكثر من الماضي، هذا الماضي الذي التصق بنا إلى درجة أننا غير قادرين على الفكاك منه ،لابد من إجراء تغييرات على ما نعتقده ماضٍ زاهر ، فلو كان حقا زاهرا لأنتج قيما ورسخ أشياء عظيمة فينا اليوم ، فهنالك كومة أخطاء وخطايا وسلبيات وأمراض واكراهات فكرية وديكتاتوريات وكراهية ودموية تجاه بعضنا البعض ،علينا التخلص من آثارها العالقة فينا وفي أفكارنا وقيمنا اليوم ...
عودة للسؤال والنشاط الثقافي.. لايمكن أن يكون هنالك نشاط ثقافي مقبول في ظل واقع سياسي متردي كواقعنا اليوم في راهنيته المتشظية ،وفي ظل ماضوية قائمة على تزيين الماضي دونما مراجعة نقدية حقيقية ، وبالتالي هنا تصير المقارنة أكثر جدوى المقارنة بين الإنتاج الثقافي العربي مقارنة بالثقافات المنتجة الأخرى في ذات الزمن ، والتي تخضع أيضا لذات الضغوط والتحولات العالمية ..
اننا ننكسر بصورة ممعنة في فوضاها باتجاه ذواتنا ووحدتنا وفرديتنا ، مما استمدناه من الماضي كالإلغاء والإقصاء والبتر والقطع والشتيمة وحتى خيانة الأهل والأصدقاء ..ننكسر ليس على صعيد الفعل الإبداعي والثقافي فهو أمر حتمي وضروري إنما على صعيد صيرورة يومنا وحياتنا وفعلنا الاجتماعي..
صحيح إننا أمام صفحة نعي فالحضارة الحديثة تعمل على تحطيم الوعي لكي ندخل إلى الثلاجة كأي كائنات هلامية جاهزة للطهو وكي نكون على موائد زمرة من البشر ، وصحيح أن النشاط الثقافي منكسر بعمومه ، ولكن لم يكن المبدع الإنساني عبر العصور يعمل ضمن اشتراطات مريحة ، كان دائما يعي دوره ومسؤولياته تجاه ذاته وتجاه من حوله وتجاه الحياة ذاتها ومن يشاركونه اياها، لذلك نجد عبر العصور من نجح في تهريب نتاجه الإبداعي والفكري والخبراتي من الغوغائيين، أو الحروب أو الانكسارات ، وبقيت نورا تستنير به البشرية ، لا كي نقول ماضينا عظيم بل كي نقول كان هنالك عقولا عظيمة بعد مازالت حية حتى اليوم تساهم في عبور تيار الحياة عبر شبكتنا العصبية كي تومض قناديل العقل ، وهذا هو الانجاز الحقيقي في إنسانية ثقافتنا ، أو ثقافة إنسانية ..
س10- في رأيك أين هي البؤر الثقافية الأنشط عربياً ؟
دعنا أولا نحدد ما هو المقصود بالنشاط الثقافي لان في ذلك يحدد ماهية البؤر التي سنتناولها .. ففي عالم المسرح يختلف عنه الإنتاج التلفزيوني عن السينمائي أو الموسيقي أو التشكيلي أو صناعة الكتاب أو المدن النشطة بالمنتديات والمؤتمرات والملتقيات والمؤسسات الثقافية والجوائز إلى ما هنالك من أنشطة تدخل صلب الحياة النخبوية بالمنطق التقليدي للثقافة ..
اليوم بات رأس المال الأساس لتنشيط أي جانب ثقافي أو كلها في مدينة واحدة بل في شارع واحد..!! وايضا لم تعد المدن التقليدية ذات العراقة التاريخية تستحوذ على المشهد الثقافي بل ثمة اختلال واضح للثقل الذي استُجدّ على المشهد الثقافي مثل دخول مدن منطقة الخليج كثقل فاعل ، ووصلت إلى حد المنافسة الحقيقية ، إضافة إلى أن وسائط الميديا الحديثة أظهرت وأبرزت بوضوح المشهد الثقافي العظيم لمنطقة المغرب العربي وبخاصة في مجال الفكر والفلسفة، الذي غيب عن المشرق زمنا طويلا ..
ثمة حقيقة مؤكدة أن البث الفضائي والانترنت قلب موازين المكان والجغرافيا ، وبعد ما زلنا في مرحلة مخاض لتتضح الرؤية المستقبلية للثقافة وأوجهها ووسائلها بعدما باتت الأمسيات الشعرية التقليدية مثلا أمرا منتهيا بانحسار الحضور وكذلك المنتديات والملتقيات الثقافية ، والمؤتمرات التي باتت متخصصة جدا ، والمهرجانات التقليدية الثقافية باتت تركز على الجانب الفني بمقاييس السوق وتستجدي الجماهير أو تحضرهم بطائرات خاصة ، وقد تتمكن من إحياء أمسيات شعرية يتيمة في بعض المدن مثلا وضمن معطيات تتسم بالشللية، والوساطة والعلاقات العامة كما لا يخفى على الجميع..
صعب تحديد بؤر بمعنى الموقع الجغرافي وقد وقعت الأمة في جملة إشكاليات ، ومن أهمها أن المثقفين في كبريات المدن بدأوا ضد المؤسسة وانتهوا للأسف في حضنها ..!!
ولاحظ انه على صعيد التكنولوجيا العالمية وقد تحدثنا عنها في أكثر من محور، إن العالم تحول عبر وسائط الميديا الحديثة إلى قرية عالمية ولم يقولوا مدينة عالمية ..!! وبالتالي فإن القرى لا تنتج ثقافة بالمعنى الذي نريد ، والقرية العالمية سيكون اشتغالها إذن على المعلوماتية ولكن خارج سياقات الثقافة المدينية التي عرفت البشرية عمقها وفاعليتها في حقب زمنية مختلفة ..فالثقافة المدينية في غياب المدينة عبارة عن أرصفة القرية المليئة بالبضائع ،والرأس البشرية ستكون حتما مثقلة بهذه البضائع المفككة والتي يتم تجميعها هنا وهناك ..
إذن الحقبة التاريخية المعاصرة وكذلك المستقبلية القادمة تشهد وستشهد المزيد من تضاؤل الأهمية التاريخية الريادية أو الطليعية للثقافة، ذلك أن تحقيق قفزات وإبداعات وطنية وقومية وإنسانية متجددة ستكون اقل أهمية.. في حين ستلعب الثقافية الخاصة دورا اكبر لتحقيق التغيير والتطوير الذي يتوافق ومنطق عقلية السوق..
س11- أية مؤثرات تعالجها بريهان بين المسؤوليات العامة والخاصة !
أنا امرأة اللحظة والراهن ، وأعيشها بكل طاقاتي ، وبمتعة وفرح قدر الإمكان .. أمومتي مقدسة ولا مجال أبدا للتنازل عن أي دور ومهمة فيها لصالح أي دور آخر ، لذا عشتها وما زلت أعيشها رغم أن أولادي كبروا لكني أعيشها بالكامل تماما كاللحظة الأولى لما قبلت جبينهم لحظة ولادتهم ،و أعيشها اليوم وأنا جدة لصغيرين رائعين .. لذلك من الممكن أن اخسر علاقات اجتماعية إن لم ينتبه الطرف الآخر هذا الأمر فيّ وفي نظرتي لقداسة الأمومة عندي..
عملي أحبه وهو متغلغل بيومياتي وسلوكي وكل أفعالي الصادرة مني بدء من الكتابة والقراءة والتواصل مع الآخر، ليس بعمل روتيني بل متصل بالحياة اليومية التي أعيشها كانسان مهموم بالحياة وبالناس والكائنات الحية والكون.. الكتابة والإعلام متداخلان، لايمكن للإعلامي أن ينجح بلا قدرة وآلية كتابة مبدعة أو العكس ، وكذلك دوري كامرأة إنسان تنتمي لمجتمع يتعين علي تقديم خدماتي له خارج إطار المهنة، فهذا شكل من أشكال العبادة بمنظوري أن أخدم مجتمعي بالعمل التطوعي ... نعم قد يحدث تداخل إلى حد أن لا أنام طوال يومين كاملين ، لربما يكون ضاغطا في وقت ما ، أو سلسا للغاية في وقت آخر وبخاصة انني محظوظة بعائلة متفهمة ... دوما اردد الأربع والعشرين ساعة قليلة علي لأنجز ما ارغب انجازه في اليوم الواحد ، لذا ها انذا أحاول توظيف كل ثانية من حياتي بعمل ما لربما يكون بذرة شجرة أو وردة ، ذلك فإن أعمارنا بحكم قصرها لا تحتمل الضياع ، ويتعين علينا أن نحافظ على وعي ثاقب ،والذي يفرض اختيارات جدا واعية وحازمة مع من نتعامل كي لا تلتهم الحيتان والضفادع زمننا الهارب المنفلت من بين أصابعنا .. المسألة ليست تنسيقا فانا جدا فوضوية ، والمسالة ليست فوضى لأنني أيضا دقيقة ، إنما انتثر ببخار الزعتر البري بين الشهقة والزفرة بخفة النور..
س12- ما هي نصيحتك للكاتبات الشابات والاعلاميات الناشئات!
إنني مع رسول حمزاتوف اسمع ابن سينا يكتب للمرضى وصفاته شعراً بمحبة ، واسمع موسيقى اورفيوس يشفى مرضاه في لحظة محبة جدا .. ونظرا لأنني لست بأسطورية، ومع ذلك أستطيع تقديم وشوشة من القلب : أحبوا بقدر ما تقدرون ، الحب هو عقارنا الشافي من المحن والتفاهات والسخافات والسطحيات والحروب والثقافات الاستهلاكية.. وبالتالي كي نصير بشر أحبوا بعضكم بعضا، أحبوا الحياة بمعناها الحقيقي لا المزيف ..
هو ارتداء السؤال أثناء معانقة الحياة، والكثير من التأمل ..فك لغة الصمت بصمت أهيب والكثير من الحيوات عبر القراءات... ما يأتيه الزبد سرعان ما يختفي ولكن حتما ما يبقى ويعمر الأرض كينونة مبدعة ممتلئة بالحب ..
س13- هل من كلمة أو رسالة تحبين توجيهها من حيفا!
ظلت مفاهيم الأنسنة وقيم التسامح والتآخي غائبة في الخطاب الثقافي العربي والفلسطيني ، بسبب سوء الفهم الحاصل واعتبار ان حامليها يطالبون الإذعان لجهة محددة ، لكننا اليوم في داخل البيت الفلسطيني والعربي بتنا بأمس الحاجة لخطاب ثقافي من نوع خاص ، الأمر الذي يدفع للبحث الجاد عن إجابات شافيات توضحُ أسباب غياب مفاهيم الأنسنة وحضور مفاهيم الاغتراب لاكتشاف عوامل فساد الروح وخرابها.. ربما حيفا ستأخذنا ببوصلتها إلى اتجاه الكل عبر الذات، في إعادة الأسئلة من جديد .. إلى أنسنة بعضنا البعض كي نعيد للبيت الفلسطيني حلمه الذي يجب أن لا ينكسر.. الطريق الجاد صعب ولكن البذور الحقيقية وحدها تصير زيتونات وصنوبريات ..
على حيفا أن تصنع شيئا للحياة قبل أن يدمرها الحمقى ، لذلك رتلي حيفا تراتيلك بصوت أعلى ولا تخشيْ الريح ولا الرؤوس المدببة..