لم يعد السؤال عن مشروعية عمل المرأة هو المطروح الآن، بل السؤال لماذا تخرج المرأة للعمل، وما الدافع الحقيقي لخروج النساء للعمل؟ فهناك من يتحدث عن قناعات لدى النساء بضرورة العمل من اجل اثبات الذات وابداء القدرات النسائية امام قدرات الرجال، وهناك من يرى ان خروج النساء بشكل كبير للعمل هذه الايام انما يعود لظروف اقتصادية بحتة لا علاقة له بما يتحدث عنه انصار حقوق المرأة. «السبيل» استطلعت آراء مجموعة من النساء العاملات.
حدثتنا أم طارق عن تجربتها وهي موظفة في مشغل خياطة قائلةً: «الخياطة أحببتها منذ أن كنت صغيرة وهي دراستي في المدرسة ولكن بعد زواجي تحولت من هواية إلى مهنة لمواجهة ظروف الحياة الصعبة والحصول على المال ومساندة زوجي بمصاريف البيت الكثيرة وتدريس أبنائي»
وأضافت: «على المرأة تأمين نفسها إما بشهادة جامعية أو مهنة، فالحياة غدارة وقد تحتاج المرأة لمهنتها أو دراستها مع الزمن، ولكن إن توفر المال لي لن ألجأ للعمل، فلا أحبذ خروج المرأة للعمل إلا للضرورة».
وساندتها بالرأي مريم، سكرتيرة تبلغ من العمر أربعين عاماً قائلةً: «دافعي للعمل الحاجة المادية أكثر من الدافع المعنوي (إثبات الشخصية)، ومع الزمن انتهى الدافع المعنوي، فسيئات العمل كثيرة كطول الدوام والعمل الصعب وقلة أوقات الراحة وأحياناً وجود المضايقات من الرجال ولكني فرضت أسلوبي الصارم في العمل».
وفي قطاع آخر من العمل أخبرتنا هناء عن مهنتها فقالت: «بالنسبة لي الحاجة للمال السبب الرئيسي لعملي كممرضة ولكن من خلال عملي يقوم ببناء شخصيتي».
ولعل (أم محمد)، عاملة تنظيف في جامعة، من أكثر النساء العاملات إحساساً بالمهانة واستياءً من العمل فتقول: «لو كان لدي المال الكافي لأنفق على نفسي وأبنائي ما عملت بهذه المهنة أبداً، الوضع المادي السيئ والحاجة الماسّة للمال سبب عملي وخروجي من المنزل». وتضيف: «من يرضى أن يعمل في التنظيف وتحمّل الإهانات الدائمة من المسؤولين والناس، والرضوخ والسكوت من أجل لقمة العيش».
سمية تعمل في استوديو مساعدة مصورة فوتوغرافي تقول: «عمل المرأة في مجال التصوير ضرورة ملحة للمجتمع النسائي وتلبية لحاجاتها، وبالنسبة لي أعمل للحاجة المادية، وعملي لفترة مؤقتة بعدها سأترك العمل واتجه لإكمال دراستي الجامعية».
وعلى صعيد آخر أخبرتنا سوسن وهي كوافيرة في إحدى صالونات التجميل في عمان الغربية منذ 13 سنة تقول: «بدأت العمل قبل زواجي، وبعد الزواج أراد زوجي أن أترك العمل ولكني رفضت ذلك، ولكن مع الأيام اقتنع تماماً بعملي فهو سبيل لتلبية طلباتي الكثيرة..» وأضافت: «الرفاهية وإثبات الشخصية أسباب لعملي، ولو توافر المال أبقى أعمل بمهنتي فقد أصبحت جزءاً مني ومن شخصيتي».
وتقول هدى وهي معالجة طبيعية في مستشفى: «أعمل في مجال العلاج الطبيعي كونه تخصصي الجامعي، وعمل المرأة وسيلة لبناء الشخصية وقدرة أعلى للتعامل مع الناس، مع وجود صعوبة أحياناً في التعامل مع المسؤولين والمديرين في المستشفى».
واللافت للنظر قصة موظفة في أحد محلات الجلابيب والتي توضح تغير مفهومها لعمل المرأة مع اختلاف الظروف فتقول: «كنت أعمل قبل الزواج للتسلية ولبناء وإثبات الشخصية ولم أكن محتاجة للمال، وبعد زواجي اختلفت أنا وزوجي على الوظيفة وكان سبب طلاقي، وبعد الطلاق اختلف الهدف من التسلية إلى الحاجة الضرورية لتوفير المال لابني الصغير وتلبية متطلباته المتعددة»، وتضيف: «لو في مصدر مالي آخر حالياً كافٍ لما عملت الآن...؟!».
واتفقت النساء على أن العمل أكسبهن القدرة على التعامل مع الناس بجميع فئاتهم ومستوياتهم وأذواقهم، والقدرة على اكتشاف معادن الناس رجالاً ونساءً، وامتلاك مهارة الحوار والنقاش، وازدادت خبرتهن كلٌ بمهنتها، واعتبرن العمل طريقة للتعارف وتكوين الصداقات على حد تعبيرهن.
الدقس: عوامل اقتصادية وأخرى نفسية
الباحث والدكتور محمد الدقس رئيس قسم علم الاجتماع في الجامعة الأردنية ارجع أسباب خروج للعمل إلى جملة من الأسباب، أهمها عوامل اقتصادية فالمرأة تخرج للعمل لحاجتها الماسّة للمال، فقد تكون مسؤولة عن أطفالها أو عن والديها إن لم تكن متزوجة، وهنالك عوامل نفسية كالرغبة للخروج للعمل لتحقيق ذاتها وتحقيق سعادة من خلال العمل وتحقيق طموحها، وأضاف أيضاً وجود عوامل اجتماعية فالمرأة ترى أن عليها مشاركة الزوج ولو مشاركة رمزية، لكن الدقس يعتقد أن سبب خروج المرأة للعمل ليس فقط للأسباب السابق ذكرها إنما قد تلجأ المرأة للعمل من جانب التحدي ولتظهر بأنها بمستوى الرجل ولا تقل درجة عنه..؟!
ويشير الدقس إلى أن كثيراً من النساء يعملن لإثبات وجودهن وبناء شخصيتهن، فالعمل يحقق منفعة للمرأة قد تتجاوز المنفعة المادية إلى المنفعة الذاتية أو النفسية وتحقق وجودها من خلال العمل لتثبت للآخرين وتثبت لأهلها ولأقربائها ولزوجها ( إن كانت متزوجة ) أنها قادرة على أن تعمل ولها وجود.
ويقول الدقس: «تستطيع المرأة أن تثبت شخصيتها بوسائل ومظاهر عديدة غير العمل خارج المنزل فقد يكون من خلال الإبداع الأدبي، أو من خلال الإنتاج الفني والعمل اليدوي أو إتقان أمور أخرى داخل المنزل تخدم فيها أسرتها».
ويذكر الدقس أن حاجة المرأة للمال الماسة قد تجعلها تلجأ إلى جملة من الأعمال القاسية غير المناسبة، كالعمل الليلي، والأعمال الشاقة التي تحتاج إلى بذل جهود فوق طاقة المرأة، أو العمل بأماكن بعيدة عن مسكن المرأة وتحتاج إلى مواصلات عديدة وطويلة.
ويضيف الدقس: «بالمقابل قد تعمل المرأة خارج المنزل ولكن توفر جزءاً من أجرها للخادمة التي تنوب مكانها في المنزل أثناء غيابها، فلا يبق لها من هذا الراتب إلا القليل لا يستدعي خروجها للعمل، فلِمَ لا تعتبر المرأة أن قيامها بواجبات داخل المنزل هو عمل ووظيفة، ولكن الفرق بين الطريقتين أنها في الخارج تتقاضى أجراً مادياً، وفي الداخل تتقاضى أجرا معنوياً يصعب تقييمه اقتصادياً».
رجال يجبرون النساء على العمل:
ويلفت الدقس النظء إلى مشكلة يخشى تحولها إلى ظاهرة ألا وهي إجبار الرجال نساءهم أو بناتهم الخروج للعمل، فالكثير من الرجال يعتقدون ان جلوس المرأة بدون عمل عالة على الآخرين، ويضيف قائلاً: «هذه العقلية خاطئة 100% بدلالة أن المرأة في البيت هي التي تقوم بطهي الطعام وإعداده وكي الملابس وغير ذلك من أعمال المنزل، فإن لم تقم بذلك ولم تكن موجودة اضطر الرجل إحضار خادمة للقيام بواجبات المنزل المتنوعة، بالتالي يجب أن يدفع للخادمة بالمقابل مبلغ من المال، إذاً المرأة توفر هذا المبلغ، إذن هي عاملة لكنها بدون أجر عيني أو مادي مباشر».
ويشير الدقس إلى مجموعة من الأزواج يفضلون بقاء المرأة في المنزل مع أن المرأة قد تكون مؤهلة علمياً وخريجة جامعة ولها القدرة على العمل فما دام الرجل قادر على الإيفاء بمتطلبات الأسرة على المرأة التفرغ لتربية أبنائها ورعايتهم».
ويعترف الدقس بانه لا يوجد اي احصائيات دقيقة يمكن الاعتماد عليها في معرفة سبب خروج المرأة للعمل، «لا توجد دراسة حول هذا الموضوع»، لكنه يقدر أن 50% من النساء يعملن لحاجتهن المادية، و50% تعود للأسباب الأخرى.