حين عرضت عليّ رئيسة تحرير (دار ناشري) الأستاذة (حياة الياقوت) فكرة هذا الكتاب قبل أشهر وطلبت أن أتولى مهمة تحريره.. لم أفكر مرتين وقبلت. مبرر قبولي كان توقي الشديد لاستكشاف إجابات محتملة للجواب الأزلي: هل يوجد خيال علمي عربي؟
وهذا قد يبدو تساؤلاً عجيباً، بالنظر للعديد من الأسماء الشهيرة التي تكتب في هذا الضرب الإبداعي والتي يعرفها الكثيرون ويتابعون أعمالها المسلسلة والمتفرقة. ولست هنا في صدد تعداد أعلام أدب الخيال العلمي العرب، لأن السؤال المطروح يبحث في الواقع عن "ثقافة" خيال علمي عربية. فالمواطن العربي، لاسيما لو كان متعلماً، مستعد لأن "يجرب حظه" في كتابة قصة قصيرة أو قصيدة عابرة. إنه في الغالب على اطلاع لا بأس به على بحور الشعر والقصيدة العمودية وعلى مفهوم "الحبكة القصصية" وما إلى ذلك. لكن.. إلى أي مدى هو متوائم مع فنيات الخيال العلمي وأساسياته؟ وهل هناك مبدعون مخفيون بيننا يسعهم أن يكتبوا قصص خيال علمي باهرة؟
هذه هي التجربة التي خضناها مع الأخوة والأخوات الذي تكرموا بإرسال إبداعاتهم لنا خلال الفترة الماضية.
بصفة عامة يمكنني القول أن النتائج لم تكن بالمستوى المأمول. وهي عبارة أرجو ألا تثير نقمة أحد وأن نناقشها هنا بكل موضوعية وتجرد. طبعاً يجب أن ندرك أولاً أن تجربة (ناشري) هذه هي غير كافية أبداً لتقييم الحال في العالم العربي بأسره. لأنه من الجائز جداً.. بل من الأكيد.. أن هناك كتّاباً مدهشين لم يصلهم إعلاننا، أو لم يكترثوا للاستجابة له وتجاهلوه. كما أنه من المفهوم أن العديد ممن تكرم بإرسال أعماله الإبداعية لنا كان "يجرب" و "يحاول" هو الآخر! هذا الكتاب لا يمثل معياراً حقيقياً لأدب الخيال العلمي العربي، لكننا يسعنا حتماً أن نستخلص مجموعة من العبر والملاحظات التي سنشارككم إياها هنا.. وهذه الملاحظات نفسها تجمل أسباب رفض الأعمال التي لم تحظ بالنشر هنا.
أول هذه الملاحظات يتمثل في ضياع ماهية "الخيال العلمي" عند الكثيرين. بمعنى أن إيراد كلمات من قبيل "فضاء".. "كوكب".. "صحن طائر".. أو "شعاع ليزر" بين ثنايا أي نص أدبي ولو لمرة واحدة هو كفيل بتحويل هذا النص إلى عمل خيالي علمي عند البعض! وهذه إشكالية حقيقية. هناك سوء ربط بين الجزئيتين في العنوان: خيال علمي. إن جزئية الخيال وحدها لا تكفي.. لا يصح أن نشطح فقط ونأتي بأي فكرة ونعبث بتفاصيلها. قد يكون الناتج قصة "خيالية" مسلية أو سرداً ذا قيمة ما، لكنها بالتأكيد لن تكون قصة خيال علمي جيدة. مايجرنا لشق "العلم" في الموضوع. والواقع أن بعض القصص المقدمة كانت تحاول أن تتشبث بهذه الجزئية عبر استحضار بعض التقنيات والمصطلحات العلمية الجديدة مما يرد في الإعلام. وهذا أمر لابأس به أيضاً. لكن القيمة العلمية في المجمل والغالب الأعم ظلت غائمة وضبابية ومحشورة حشراً بين التفاصيل العادية. قصص الخيال العلمي الجيدة تبدأ بفكرة علمية ثم تقسّم على "تفاصيلها" وتزيد عليها على نحو خيالي غير خاضع لصرامة الفيزياء لكن متسق مع السؤال الإبداعي: "ماذا لو؟".
بقية الملاحظات متعلقة باللغة العربية ذاتها. وهذه جزئية سنتفق أنها سارية على أي تجربة إبداعية تعلقت بالخيال العلمي أو بسواه. ويؤسفني أن أعترف لكم هنا أن قراءة بعض الأعمال المقدمة مثلت لي عذاباً حقيقياً. خُيّل لي أحياناً أن الكاتب أو الكاتبة يتعمدان السخرية مني أو معاقبتي بتجاهل الكثير من القواعد الإملائية والنحوية.. بالذات تلك المتعلقة بالهمزة وعلامات التنصيص ناهيك عن الصرف. قد يجادل البعض بأن هذه قيمة ثانوية مقارنة بالإبداع الذي تحمله لغة النص ذاته.. وقد يصر البعض الآخر على تبرئة الكتّاب وتحميل المسؤولية لنظم التعليم التي أنتجتهم. هذا كله لا يعنينا هنا.. المهم والمؤسف أن هناك "مأساة" ما تشهد عليها كثير من الأعمال التي قدمت لنا.
بلغ مجمل النصوص التي أرسلت حتى تاريخ ٢٠ أبريل ١٤ نصاً. وقد تم قبول ست منها تجدونها في الصفحات التالية. أعتبر شخصياً أن هذه النصوص هي أفضل ما جاءنا مع تفاوتها هي الأخرى في الجودة والمستوى والفكرة. وكان من الرائع أن تصلنا أعمال من كل مناطق الامتداد العربي مايدل على وجود رغبة حقيقية في اقتحام هذا المجال الإبداعي واستكشافه لدى الكل. ولعل هذه هي القيمة الكبرى التي خرجنا بها من هذه التجربة.
شكراً لكل من تجاوب معنا وشارك بعمله. شكراً للأستاذة حياة على مبادرتها الطليعية الجريئة. وتهانينا للأقلام الواعدة التي شاركتنا قبسات من أرواحها فيما سيلي من صفحات.
أشرف.