النهر يسري هادئاً بينَ الحَشائش والغصونْ

لا موجَ فيه، كأن تحتَ ثيابِه السرَّ الدفينْ

ماذا سيحدثُ لو تفجَّرَ بالزلازلِ والجنونْ؟

ماذا سيحدث للسماءِ، وللترابِ، وللسكونْ؟

أتراكَ سوفَ تعيدُ رسمَ الشمس في قلبِ السماءْ؟ متوهماً أن القصائدَ في حياتِك قد تعودْ

أرسلْ عظامَك للمقابرِ قبلَ أنْ يلدَ الوجودْ

وأنثر عليها ما تيسَّرَ من دمائِك والورودْ

فلعلَّ هذا النهرَ تسبحُ فيه قاماتُ الرعودْ

يبدو كئيباً، والمشردُ فوقَ ضفتِه ينامْ

قذراً، وكثَّ الشَّعرِ يلتحفُ الرطوبة والسُّخامْ

تركَ المدينةَ، والعَمَاراتِ العظيمةَ والزحامْ

واختار هذا النهرَ متكئاً على بعضِ الركامْ

فتراهُ يبحثُ كلَّ يومٍ عن بقايا من طعامْ

بين القمامةِ والشقائقِ والجنادِبِ والحَمامْ

هو غارقٌ في عالمٍ أركانه صمتُ المكانْ

يهفو إلى مَن حين يعبر قد يبادله السلامْ

يهفو إلى وجهٍ يجاذبه خيوطَ الإبتسامْ

وتمرُّ أنتَ أمامَه متثاقلاً مرَّ الكرامْ

هلا وقفتَ مفكراً بقساوةِ الدنيا قليلا؟

ماذا تريدُ؟ ألا ترى الإنسانَ كيف يصيرُ غولا؟

يؤذي أخاه، وليسَ يعرفُ كيف يمكنُ أن يؤولا

وتظلُّ أنتَ مسافراً في الشعرِ تحترفُ الرحيلا

تبكي على الأيام، تمسحُ وجههَا الغضَّ العليلا

هلا حملتَ إلى المدينةِ بعضَ دمعِ المعدمينْ؟

هلا حملتَ لها من الأناتِ ما يُبكي العيونْ؟

علّ الذين يسابقون العصرَ، أو يتطايرون

فوق المدى، ويراقصونَ نساءَهم يتذكرونْ

أن الحياةَ تدور دورتها على مر السنينْ

-11-

تبدو حزيناً، هل أخذتَ الحُزنَ من هذا المقامْ؟

فارجعْ إلى الأشجار وانظر كيفَ تزهرُ كلَّ عامْ

وارقبْ صِباها حين تبدأ بالتزاوج والغرامْ

أعد الحياة إلى فؤادك، جددِ الأمل النديا

وانصتْ إلى صوتِ الطيور يدور فتانا شجيا

-12-

جاءَ المساءُ، وأنت تبحرُ بين أشرعةِ الضبابْ

فبدأتَ تبحث عن قطارٍ يعبرُ العشبَ الطريا

ويضيعُ في أفق القصائدِ حاملا غدكَ الشقيا

لا يعرف الشعراء كيف يكررون إناثَهم

فخذ الرياحَ وعدْ بلا قلبٍ إلى الماضي السَّحيقْ

وامزجْ تنهدَكَ المعتَّقَ مع تلافيفِ الطريق

فغدا ستمشي في دروبك تحتَ زخات المطر

وستنتفي في الغربة السوداءِ كالنسر الغريقْ

ولسوف تبحثُ عن بقايا الشعر في جوف البريقْ

حتى تشاركَكَ الغيومُ همومَها عندَ السَحَرْ

وترشَّ فوقك عطرها، وتردَّ أنت بلا اكتراث

وتسيرَ محزوناً كأن الحزنَ سرُّ الإنبعاثْ

وتظلَّ تبحثُ بين أفكار المدائن عن صديق

وتظلَّ تبحثُ عن صديق....

عليك تسجيل الدخول لتتمكن من كتابة التعليقات.

nashiri logo clear

دار ناشري للنشر الإلكتروني.
عالم وعلم بلا ورق.
تأسست عام 2003.
أول دار نشر ومكتبة إلكترونية غير ربحية مجانية في العالم العربي.

 

اشترك في القائمة البريدية