الحصار يشتد حول مخيم برج البراجنة ، والبيوت باتت خالية من كل ما يمكن أن يقتات به بنو البشر ،بعد نفاذ الطحين والمواد الغذائية . والقذائف تتساقط بين الفينة والأخرى على الشوارع الضيقة ،وتنفجر على أسطح المنازل الصغيرة التي بالكاد تستطيع إن تحمي ساكنيها .
- إنا جوعان أريد خبزا
كان الطفل يبكي بحرقة ، وألام تحاول عبثا إقناعه بعدم وجود خبز في المنزل. فانتشله والده من بين يديها محاولا تهدئته ، بعد إن ناوله قطعة حلوى أعطاها له احد أصدقائه.
رد الوالد : -
- لا يوجد لدينا طحين ، ووصوله يحتاج إلى وقت طويل حتى يزرع الفلاح القمح ويقوم بحصاده ، ومن ثم إرساله إلى المطحنة لطحنه وتحويله إلى طحين .
- يعني هلق مش موسمه ؟!
قال الطفل باستغراب وهو يكاد لا يصدق ما يقوله والده ، فالتقطها الوالد على الفور وأجابه وهو يتساءل في سره عمن أوحى له بكلمة "موسم" هذه :-
- نعم...نعم ليس موسمه ألان ، الخبز أيضا له مواسم مثل الفواكه والخضار. عندما يحين موسمه سوف تصنع لك أمك رغيفا كبيرا بهذا الحجم .
قال وهو يشير بيده دلالة على حجم الرغيف ، فضحك الطفل وراح يلتهم قطعة الحلوى التي أعطاها له والده
* * * * *
.قالت الأم وهي ترتجف مذعورة :-
- القطة تحولت إلى حيوان مفترس ، وقد حاولت اليوم التهام أذن ابنك شادي.
- معقول ، ربما كانت تداعبه.؟!
قال الأب مستغربا:،فانفجرت فيه زوجته بغضب :-
- ياانا يا القطة في البيت . لازم تشوف ألها حل اليوم ، لن انتظر حتى تأكل القطة احد أولادي .
- يأمره حرام عليكي ، القطط تلجا للاختباء في البيوت أثناء الحرب ، أطعميها ربما كانت جائعه .
- من أين أتي لها بالطعام ، ونحن لا نجد ما نأكله في ظل الحصار؟
- طولي بالك .
- لا أولادي أهم من كل القطط ...
أمس نجا الأولاد من موت محقق ، بعد أن سقطت قذيفة هاون على سطح المنزل ، لكنها لم تنفجر بحمد الله .
- الحمد لله .
قال الأب ثم اتجه مسرعا نحو الموقع العسكري ، وهمس في أذن"أبي الغضب" قائلا ::
- لك عندي هدية ثمينة
رد "أبو الغضب" ،الذي كان يدخن سيجارة محشوة بأوراق الملوخية مستغربا :-
- ليس هذا وقت المزاح يااخي .
- لا امزح معك ، قطتنا تحولت إلى حيوان مفترس ، ماذا نفعل بها ؟
انفرجت أسارير" أبي الغضب "، الذي ذهب معه مهرولا نحو البيت لاستلام القطة، وكان طوال الطريق يمرر يده فوق بطنه ،وهو يمتدح أكل لحوم القطط والكلاب التي حلل الشيوخ أكلها أثناء الحصار .
قال الأب متمتما :-
- هم يأكلون القطط والكلاب وانأ اعرض وأتقزز .
