مؤسسة الحَكَّاءُ والساكت، الحادية عشرة مساءً، اليوم (...)، من الشهر (...)، من العام الميلادي (...)، حلقة ساعة الغفلة، هواء برنامج أهل الاختصاص؛ بذلت آثير بعد مغادرتها المشفى المركزي جهدًا كبيرًا في الإعداد لهذه الحلقة لِتثبت لنفسها أنها قوية.
مرَّت أيام، أنهى آدم التحضير للحلقة الثانية، مُستضيفًا فيها بعض الحَكَّائين، اعتمد في الاختيار على أن يكونوا نخبة مُنتقاة بعناية من بين من هم من غيرِ أهل الاختصاص، من غير الإعلاميين الدارسين، من دخلوا إلى الإعلم من الأبواب الخلفية. اختار ومن معه المحاورين الجدد، أصحاب الواسطة والمعرفة: الصحفي المخضرم سعد بلحة والصحفي المُراسلة كبر لعلع والمُراسلة الفضائية زنوبة بصارة والرياضيون المعتزلين مصطفى غندورة وشهير أحمد معهم الفنانة المتحذلقة زينات الداغي والفنان المدعي آدم رامزي وبعض أهل الاختصاص المحترفون أدهم الدمرداش وساليم آديب، أما السيد فلان فكان مُمتنعًا عن ذكر اسمه الحقيقي كعادة مرتادي برامج الحوارات على شبكة المعلوماتية، اختار اسمًا مستعارًا (نيك نيم): كتاكيتو بني، وظيفته: مدير الموقع الالكتروني الشهير بهاريز شوربه كاتبها بالأحرف اللاتينية؛ مُدعي الثقافة.
أرادها آدم أن تكون حلقة مَسْخَّرة، أصَر مع آثير وسارة على أن يقدم تلك الحلقة بنفسه، فلن يدع أيَّ فرصة لكشف المدعين إلّا ويستغلها، كفاهم ما فعلوا؛ فكان سؤاله في بداية الحلقة عن أنه ماذا حصل اليوم للإعلام الفضائي المرئي والمبثوث على شبكة المعلوماتية العنكبوتية في بلدنا الحبيب؛ مُتابعًا بسخرية: أب الدنيا! ضحك الجميع في موقف لا يستآهل الضحك، هي عادة الهزل في موطن الجد، الهيصة. منوهًا مرّة ثانيةً مُصرحًا في غير نعومة عن أن موضوع البرنامج اليوم هو أن الحال في القنوات الفضائية ومواقع شبكة المعلوماتية فاق الحد، اليوم امتلأت الدنيا بطائفة من البرامج ومواقع الكلامية الفوضوية فباتت تهدد الأمن القومي لبلدنا، يعني الخط الأحمر، موجهًا سؤاله العام:
- إلى أين يتجه بنا الإعلام؟
قبل أن يُكمِّل، سادت لغة الهمهمة، يتنفس الكُلّ بحرقة، يتكلم داخله، فلا تفهم شيئًا، تتبعهم الكاميرا فترصد نظرات زائغة من الواحد إلى الآخر، باعتبارهم العالمين والعارفين، وأن المحاور ما دام يتساءل فهو بغير عارف، بل أنه جاهل، فكان أول المتداخلين آدم رامزي بغشامة بالغة، بينت في كُلِّ مرّة أنه لم يتربى أبدًا على لغة الحوار، بادئًا الفنان كالمعتاد، صوته عالٍ مُنفعل دائمًا، فهو المثقف الوحيد والوطني خالص والفاهم في كُلِّ شيء، هبَّ من مقعده، كادت رأسه تطول السقف، طوله حوالي المترين، مُلوحًا بكلتا يديه في الهواء كعادته، مُتجهًا للأمام مُتراجعًا للخلف، مُبتسمًا بسخرية معهودة، يُحرك شفتيه كأنه يأكلهما، يمسك كفيه على خصيتيه، يشد عليهما، لسان حاله يقول: الله يخرب بيت أبيكم أيها البعدا، مالكم أنتم ومال هذا الكلام! موجهًا كلامه للسيد آدم:
- بتحكي في إي شيء؟ يا حوراتك؟ افهموا، نحن العاملين قيمة للبرامج الحوارية، البرامج التي تقدمونها أنتم ونحن، أنتم من غيرنا تبطلوا، تجلسون في بيوتكم، يعني... يعني...
مُتخبطًا... لا يعرف ماذا يقول، هنا ضحكت الفنانة زينات ضحكة خليعة؛ فائقة الشدة، يتبين على الشريط المتحرك أسفل الشاشة خبر عاجل: يرقد الشاعر الكبير شاور حاور الرِدفاوي معه الريس مَداود مزعوء في المشفى المركزي في حالة صحية حرجة، من الُمرَّجَح أنهم أصيبا بوباء إنفلونزا الحمير: إتش. إف. إن. إف.
لا يلتفت السيد رامزي للخبر، يبدو يكرهما كليهما الردفاوي ومَداود، بل من المؤكد أنه يكره الجميع. بصلف يتابع الفنان هجومه بعد أن اتخذ لنفسه وقفة مشهورًا بها، مائلاً بجذعه للأمام، مادًا كلتا قدميه، لا أحد يعرف كيف يفعلها! عاقدًا يديه على أسفل خصره، مُرتعشًا بكُلِّ جسمه:
- ماذا يا عَّم الحاج؟ مُكررًا نفس الكلام بسخرية أكبر: أنتم تُغلقون برامجكم من غيرنا، تجلسون في منازلكم، الإعلانات تأتي حصرية على اسماءنا، أنتم تعرفون، الرواد ينقرضون، أمامكم الردفاوي ومَداود في المستشفى موبوئين! مُقهقهًا: هيء هيء؛ إنفلونزا الحمير.
في تلك اللحظة التي انهى فيها كلامه لا يدري ماذا يقول، وجه بصره ناحية الصحفي المخضرم سعد بلحة الذي دخل الإعلام من البوابة الخلفية، بوساطة أمه التي كانت تعمل سكرتيرة تنفيذية لصحفي شهير في جريدة غير معروفة، ناظرًا له لينقذه فأخذ منه طرف الخيط، مُبتسمًا بسخريته المعهودة، واضعًا كعادته كلتا يديه واحدة في فمه والأخرى في أنفه، مُعتدلاً فمُنسحبًا في المقعد، يرتدي شورت وفانلة وكاب، أصلع زلطة، بدون نظارة، تكلم جاحظًا، مُهدئًا له، ناعته بالفنان الكبير، وأن البلد بحاجة إليه، موجهًا نظره شذرًا ناحية ما كان يجلس مُقدم البرنامج، آدم بقرف شديد، نافضًا يديه- بمعنى حل عن وجهي، قائلاً: أنا عندي رأي في الحقيقة عاد فضحك بسخرية، فَضّم كَتفيه وفَرّك كفيه ومَصْمَم شفتيه، راجح، ثم في إمالة لشفته السفلى واضعًا طرف أصبعه الخنصر في فمه وباقي أصابعه تغطي نصف وجهه، غالقًا عينيه إلى أكثر من نصفهما، صائحًا كأنه الفيلسوف العائد من بلاد الجهل:
- أنت عَمِّنا يا عَمّ آدم، يا عَمّ راجح، لكن هذا الكلام ليس صحيحًا أبدًا ياعَمّ الحاج، ليس صحيحًا بالكلية، البتة، العالم كُله لديه برامد توك- شو (برامج حوارية)، فلسنا أبدًا عجيبة من عجائب الزمان، ولا حَتَّى حكاية من الحكاوي، بل لعلنا حكاية وأنا أجهل ذلك، متلفتًا حوله، يبتسم في بلاهة، حد يقولي، يبلغني، يكلمني.
يحاول آدم محاورته، يعاجله الصحافي فاردًا ليديه للأمام مشيرًا بأصابعه المبتلة من فمه وأنفه:
- اسمعني ... اسمعني، يضحك وكأنه السياسي البارع: ما يُقال عننا كذب، أفعالنا لخدمة البلد، لم نطلب شيئًا من أحد، لا نحتاج لأحد، نمتلك كُلّ شيء، لا يُهمُنا شيء، هم يعرفون مقدار قوتنا واستغناءنا، في الحقيقة الكُلّ يعرف أننا لسنا إعلاميون محترفون، لكن الناس بتحبنا لحد العشق والوله، ما أعرفه أنا أن من لا يريد مشاهدتنا فليغير القناة، يحرك المؤشر في يده، سهلة، يغور، يغور من وجوهنا، يغور من البلد كلها، إنما دونما أن يلتقط إنفاسه عاد بسخرية شديدة، سخرية العارف والبارع: نحن لن نُرغم أحد أن يستمع إلينا، ضاحكًا، موجهًا كلامه إلى آدم: ما رأيك يا عَمّ الحاج؟ أنت عَمِّنا الكبير، على رأسنا من فوق يا كابير (يا كبير).
تدخل الإعلامي المُحَنَّك ساليم آديب، هو ابن فنانة كبيرة في العمر ما زالت تأخذ أدوار الإغراء؛ أسمر، طوله حوالي نصف المتر، لعله قزم، يرتدي سروال، أفرول لونه كحلي، مع ساعة ضخمة حول معصمه يبينها، رافعًا حاجب خافضًا آخر قالبًا شفتيه، قالبًا كفيه، رافعًا كتفيًا، هازًا لرأسه ناحية اليمين فجهة اليسار مُحركًا لعينيه في كافة الاتجاهات:
- العالم اليوم قرية صغيرة، يعرف الناس في بلدنا ما يريدونه، ماذا تريدون أنتم من الإعلام؟ رَبِّنا ينكد عالكُلّ، نحن نعمل طول السنة لخاطركم، ضعوا في أعينكم حصوة ملح، أما أنا فأنا الوحيد الفاهم في هذه الدنيا، يحاول آدم ايقافه، لم ينتظر، مُخاطبه بغباوة: لا تفعل بيدك هكذا، نحن الاثنين نعمل بطريقة مُختلفة، أنا وسعد بلحة أفضل إعلاميين في العالم كُله، مُوجهًا كلامه للفنانة زينات الداغي: ماذا يا ست الكُلّ؟ يا نجمة... مانجو مانجو، طِعمة طعامة، على فكرة الكولييه سيأكل من رقبتك، من أين يا هانم!؟
ضحكت الفنانة المُدعية ضحكة خليعة أكثر شدة من الضحكة الأولى، صوتها أجوف، مُمل، مِدملكة، مُنتفحة مثل كرة القدم، ملونة، أصفر على أبيض على أحمر، في الحقيقية لا يمكن تحديد لون اللحم، مُصابة بجرح قطعي في الرقبة، لها أذن واحدة، تتبين من أسفل شعرها، مُنسابٌ على عينيها. تعود ماسكة طرف فستانها المرتفع وهي تضحك بخلاعة، فبانت أوراكها، اتشلحت سيقانها حَتَّى الكعبين والركبتين، الكُلّ يبحلقون، يلحظ آدم أن أرَجُل الفنانة رفيعة جدًا مثل عيدان الكبريت، بعراقيب، فتساءل في نفسه: إن كانت نهاية رَجُليها بعرقوب كهذا على أيّ شيئ يتفرَّج الناس! أهي بجاحة أم غباوة!؟ ليتني لم استضفها. يبدو بدا له بحسه الإعلامي أن المسألة ستنفلت من بين يديه، ناظرا إليها شذرًا:
- ما رأيك مدام زينات هانم؟
فكأن السؤال مفاجئا، أصابها كصاعقة، متلجلجة: مدام وهانم؟ إن شالله يخليك، عَدَّلَت من نفسها، ناظرة للكاميرا، هذبت شعرها بأيديها، واضعة ساق على ساق:
- أنا فنانة، لستُ مذيعة أو مقدمة برامج، أنا عندي رؤية، أنا أبدل من طريقة الحوار، أنا مُجددة، أنا جريئة، أنا أتيت بما لم يقدر عليه بشر، أنا ناجحة في كافة شيء، أنا متفردة، أنا جميلة جدًا.
ضحك آدم بسخرية، يتحاور معها بحذر باين؛ يعرفها غبية، ينقل لها أن موضوع البرنامج ليس عن جمال حضرتها وحضرتها بارعة في أيّ شيء، إنما الموضوع اليوم عن فوضى البرامج الحوارية ودخول غير المختصين لهذا المجال في ساعة غفلة، قائلاً:
- حضرتك بدأتي بالفعل في تقديم برنامج العام الفائت؟
- أوكيه أوكيه، فاهمة فاهمة، ليس ليَّ دعوة ببرامج التلفجين (التلفاز) الحوارية أنا ملكة الفن السابع، أنا باحب السينيما الجريئة، تحسيس وبوس، أنا أُجدد إذن أنا فنانة، أنا موهوبة، أنا كُلّ الناس أصحابي، يا ختي... ماليش دعوة، ما كانش برنامج، آحيييه، بلا قرف، فرهدتوني، موجهة نظرها وجسدها كله للصحفي المشاغب سعد بلحة؛ تُناديه: سعودة ماذا؟
أُسُقط في يد سعد بلحة على إثر الكلام الأبيح التي ترميه صديقته الفنانة غير الموهوبة يمينًا ويسارًا، فسكت عن الكلام المباح إنما في حركة مباغتة لم يتوقعها أحد قلب شفتيه وراح في مقعده غاطًا في هدوء بالغ، إنما يعض أصابعه كالمعتاد. كالمعتاد التقط الحوار الصحفي كبر لعلع الذي صار مقدمًا لما اسماه الصحافة التليفزيونية، يهز دماغه فيهتز شعره الطويل، لعله تركه يوم ترك شاربه، شاربه مرفوع من الجانبين كأنه هوائي طائر، وبآريحية العارف عن الكُلّ لا يدع أحد فرصة لمقاطعته، لا يفهم في شيء:
- أنا عايز أقول حاجة، أنا نفسي أقول حاجة، خلصنا الإنترو (المقدمة)، نسمع بعض، أنا أراها مهنية واحترافية، يجب علينا أن نضع نقطة ونعود من أول السطر، هذا الموضوع قُتِل بحثًا، أقول وأكرر وأردد، من فضلك يا فندم، عفوًا يا فندم، التايتل (العنوان) مظبوط يا فندم، أتصور بحسي الصحفي أني اتفق مع زميلي العزيز، الإعلامي الرائع، المتجدد سعد بلحة أن تقديم البرامج الحوارية لا يحتاج لطبيعة خاصة، كلمة خاصة نفسها هذا كلام فارغ، لا يوجد أحد على رأسه ريشة والشاطرة تغزل برَجُل حمار، وكلم الآحبة تلهيك وما فيها تجيبوا فيك؛ مالكم؟
يضحك سعد بلحة مُهتزًا مُرتجًا مُبتسمًا بكلتا عينيه، مُغمضهما لحَتَّى الربع، مرددًا ببلاهة شديدة، مُستهينًا بكُلِّ شيء في الدنيا:
- هي مش كيميا (كيمياء) يعني، عاوجًا فمه متظاهرًا بالمعرفة.
- يكمل كبر لعلع: تلك صحافة تليفزيونية، نحن نقدم سبق في كُلِّ مرّة نخرج فيها للمشاهد على الشاشة، ما نقدمه لم يسبقنا إليه أحد، نقدم انفرادات، سبقات، صفقات، لنا ثلاثة أيام لن يغمض لنا جفن، نغطي الخبر ونعريه، نحن ضمير هذا البلد وناسها، البلد بدوننا تغرق، لدينا آلة إعلامية رهيبة، نحن مُختلفين، ماذا يمتلكون هم زيادة عننا؟ في كلّ مرَّة يخرجون إلينا يبثون الخيبة على الإعلام، نحن ليسوا تليفزيونيين، نحن صحافيين، نحن نفعل كُلّ شيء.
بسرعة ملفتة، تُحسد عليها، أخدت الكلام المراسلة زنوبة بصارة المتحولة لمقدمة حوارات، في غفلة من الزَمَّان، يعرف الكُلّ علاقتها بالنظام، رافعة يديها لأعلى، فيتبينها ترتدي ملابس رجالية، تضيف مع الشعر الكاريه القصير، الملون بلون برونزي فاتح، هيئة عسكرية، فتتخيلها كأنها قومندان داخلية:
- متفقة مع زميلي لعلع، عاملة حركة الأقواس، الحوارات أسهل بكثير من شغلة المراسلة...، ضاحكة ... هيء هيء، موجهة كلامها لزميلها الصحفي النابغة: لعلع ماذا؟ تضحك ضحكة لزجة مقرفة في سذاجة، فمقلدة زميلة لها في برنامج حواري آخر بالاعوجاج أكثر من ستين درجة جهة اليمين، تفتح عينيها على مصراعيها:أنا أعرف كُلّ شيء، احترموا صمتي، لن اتكلم؛ ... الكلام وسنينه.
من أين تهلون!؟ قالها آدم في سرّه، ناظرًا لهم بشفقة، لسان حاله يقولها، ثم يعود ملتفتًا ناحية كتاكيتو بني مدير مكتب الموقع بهاريز شوربه، موجهًا له سؤال:
- يبدو الحوار في أجندتكم خرج عَمَّ كان سائدًا في الماضي؟
نظر إليه مدير الموقع نظرة عطف، سرعان ما تحولت لنظرة استهجان، يعود ليتكلم بلهجة عدائية مُستفزة، تميز كثيرين من مرتادي مواقع شبكة المعلوماتية العنكبوتية:
- أنت بتقووول أهوههه، وانا بأقول آهه... أنت أنت أنت، يعني أنت نفسك من غير حضرتك يعني بتاعة زمان، أنتاااااا تقول زمان كانت... نحن ليس زمان، نحن أصحاب نفضله وقصرله واحلئله.. فاهم انت؟ سايتاتنا ولينكتها عبقرية، نحن نقدم سنجليهات متطورة.
- قاطعه آدم: ماذا تقصد سايتاتنا- لينكاتنا- سينجليهات؟
- بنسميها كده، يعني لازم تسأل.
ضاحكًا الشاب بخيبة، يتدخل الصحافي آدهم الدمرداش:
- يعني المواقع والوصلات سيادتك يا فندم، والثانية يعني: انفراداتنا؟
مهللاً الشاب صاحب المدونات على مواقع شبكة المعلوماتية:
- قلت لك، أنت وهو كُدماء (قدامى)، حوارتكم بلدي خالص!
يبدو القرف أصاب آدم ، مُتأففًا:
- لدينا مداخلة هاتفية من السيد إبراهيم الفقري، صحافي رياضي، مقدم برامج رياضية، تفضل حضرتك على الهواء مباشرة.
- تدخل الصحفي الرياضي بحركة صحفية شعبية يستخف دمه، قال يعني يجدد:بنمسي عليكوا، استنى استنى، أنا أنا أنا مش عارف، أنا عندي ردود كثيرة على السيد كتاكيتو بني أنا معترض عال عال اللبيجي في المدونات ديهكهيت، هأقرأ مدونة كتبها واحد منهم، لم أفهم منها شيء، اسمعوا: ... أنا رضا سني 16، لم أفهم شيء؟ ماذا يقصد أنا رضا سني 16؟ هل هناك رضا سني 14؟
يعلق المحاور اللامع آدهم الدمرداش عليه بتحفظ وأدب:
- المعنى يا أستاذ أنه يُعَرِّف نفسه للناس، يقصُد أن اسمه رضا، كما أن عمره ستة عشر عامًا.
- تفاجأ إبراهيم الفقري مُتلجلجلاً، مُتقطعًا، مُتابعًا بغباوة يُحسد عليها: آه أل إل آللل ما زلت لا أفهم شيئًا مهم، ليس ليّ صالح بتلك الأشياء، يخرب بيت اساميهم، أقولها بصراحة أنا لا أعرف شيء، إنما نحن لدينا الذين خرموا (ثقبوا) التعريفة (عملة معدنية قديمة)، أيضًا الذين دهنوا الهواء دوكو (دهان)، لكن أنا أنا... إل إل إل... لا أعرف شيء، أنتم ماذا تريدون؟ على فكرة نحن إناسٌ طيبين جدًا، اتخدعنا، خلاص لتناموا مستريحين، نحن انضحك علينا، أهي نيلة منيلة بطينة؟ يمكن طينة منيلة، لا أعرف شيء، أين الشاي، ناموا، استريحوا، السلام عليكم.
أدرك آدم أن المسألة أصبحت أكثر من مجرد تفاهة، ناس لا تفهم شيئًا وتُجري مُداخلة لا معنى لها، كُلّ من هَبّ ودَبّ يتحدث في الإعلام، أنهى من أطلقوا عليه الإعلامي الرياضي الفالح المداخلة الهاتفية التافهة، مُلتفتًا آدم ناحية بقية الضيوف:
- يتبقى لدينا في حلقة اليوم محاورة الثنائي الرياضي المعتزل، يعود بلطفٍ بالغ: فلم نستمع بعد للكابتن شهير أحمد، مُعرفًا به المشاهدين في مجاملة، الكابتن بالطبع إعلامي إبن بلدة توهت الصغرت أم الحَكَّائين: تفضل يا كابتن أدلو بدلوك.
الغريب إن الكابتن شهير أحمد صدق نفسه أنه إعلامي كبير، وبزهو إنما بشبهة تواضع، جالسًا بالعرض مالئ لشاشة العرض، مُتآسيًا مُتشنجًا:
- العفو يا كابتن العفو... ثم عاد فجلس مُضجعًا مربعًا لكلتا رَجُليه، يرتدي الجلباب البلدي الشعبي، فمنذ دخل الإعلام قرر فجأة أن يرتدي الجلباب، واضعًا على رأسه قلنصوة كالتي كان يرتديها فرسان الرومان، ينظر بكلتا عينيه، مُنتظرًا للكاميرا تأتي عليه، بتحفز الواعي، قائلاً: أنا كتبت هذا الكلام في مقالي صباح اليوم، معروف طبعًا أني أحسن إعلامي رياضي في المنطقة، أهل بيتي وكُلّ الجيران يعرفون ذلك؛ اسألوا زوجتي، نحن نُقدم المعلومة، الخبر والمعنى، المفهوم والمضمون، الحاجة والمحتاجة، الناية والثنايا، الرّوَايَة والبتاوة، أزيدكن من الشعر بيت، أنا أعرف من غيري أن هناك دُخلاء على هذه المهنة الجميلة، المهنة التي امتنهنها بحرفية، هم لهم أكثر من ثلاثين سنة يقدمون برامج حوارية، لعله آن لنا أن نُقدم نحن برامجنا بطريقتنا، لا أعرف سبب ترك الإخوة لهم لحَتَّى الآن؟
- آدم متعجبًا: من ترك من؟ تقصد من بالأخوة؟ لا أفهمك ؟
يحكي لهم الكابتن وكأنه جالس على المصطبة في بلدهم:
- أقصد طبعًا الإخوان المسؤولين، على فكرة... أنا كنت مع السيد المسؤول الكبير، باكيًا بالدموع ماسحًا لأنفه بكمه: أقسم بالله أني كنت واقف بجواره وسلم علي، وضع يده على كتفي وهو مستاء جدًا. على فكرة هو رَجُل محترم جدًا، أنا قلت هذا الكلام من قبل وبارجع أكرره ثانية من مكاني هذا، عايز كُلّ الناس تسمعني، لا رياء ولا نفاق، هؤلاء الناس محترمين، فاهمين، كُلّ شيء، غامزًا بعينه: تعرفون من يُحب هذا البلد- مشيرًا لنفسه- صائحًا موجهًا كلامه للمخرج: ... أدخل يا بني بكلوظة على صدري...، فاتحًا لقميصه، لابسًا علم الوطن، راح يُشجع بعلو صوته: تحيا جمهورية بلدنا وعاصمتها الكبرى، بالروح والدم نفديكي يا بلد.
لقطة تليفزيونية مقربة لوجه الفنانة زينات الداغي والصحفي سعد بلحة كليهما يسحان بالدموع، يهتفون بالصوت الحياني: تحيا الهمبكا، في حين صفق كبر لعلع وزغردت زنوبة بصارة هاتفين معًا: همبكا يا همبكا، يا انفراداتك، وشوبش يا أهل البيت تعالوا. دخل في الهيصة معهم أخيرًا وليس آخرًا الكابتن مصطفى غندورة ناظرًا للكاميرا في حدة بالغة فمه يقطُر لعابًا، فكان بعد اعتزاله أن امتلأ جسمه لحَتَّى صار وكأنه كتلة لحم وشحم، يرتدي قميص أخضر، شاربه تلون لونه بلون البياض مُتعارضًا مع شعره المصبوغ أحمر غامق، بادئًا حديثه بأنه لا يُهمه أحد، أنه يقول ويسمع ويفهم بلا منازع، لا يوجد إعلام رياضي مثله، متابعًا:
- أنا حاصل على شهادات عليا في خبايا الملاعب، مسترسلًا باستهزاء: طبعًا أنتم لا تعرفون ما هي خبايا ملاعب؟ مشوحًا بيديه في وجه المشاهدين يسيل اللعاب على ذقنه، مهما قلنا لن تفهموا شيئًا، أنا مستحلف للكل، وإذا عدتم عدنا، أنا أحسن مقدم برامج حوارية رياضية في العالم كُلّه.
ناظرًا للكابتن شهير أحمدالذي بدا عليه يضحك ضحكة صفراء، أحمرت عينيه من الحقد، مُعلقًا:
- خد راحتك يا كابتن كُلّ واحد عارف نفسه.
أكمل الكابتن غندورة وصلة الردح، فكان اللعاب المتساقط من فمه قد أغرق أرضية غرفة البث الفضائي، ثم تطاير من عليها على إثر ركلات الكابتن ليجيء على وجه آدم، فما كان منه إلَّا أن أنهى الحوار، ناظرًا للمشاهدين:
- أيها السادة المحترمون... تلك هي لقطة مقربة لبعض من لغة الحوار الآن في بلدنا الحبيبة، فعذرًا، إنما فليكفنا رَبَّنا شر ساعة الغفلة.
يدون آدم ... في تلك الليلة، لم استطع الذهاب لمنزلي إنما جلست مهمومًا، كأن الدنيا انقلبت على رأسي، أفكر في أن الغصة بلغت الحلقوم، وأن ما يحدث من فوضى إعلامية في البرامج الحوارية، طالت لحَتَّى برامجي الحوارية المحترمة، إذن فلازم لها من علاج باتر، شافٍ. إنما في رأي أنه لا يستطيع أحد الآن، غيرَ الكبار، التقاط الخيط، وتهذيب حقل الإعلام الفضائي كُلّه من جديد.... أما عن مسألة الوباء الممراض القاتل تلك، فلم انتبه لها إلَّا بعد علمي بأن الشاعر حاور شاور الردفاوي والريس مَداود مزعوء باتوا موبوئين كُليًا فعليًا، فذلك ما أمكن معرفته عبرّ مكالمة هاتفية ليلية.