من الإشكاليّات الكبيرة التي تعترض حياة المسلمين في الغرب هو إندماجهم أو عدم إندماجهم في الواقع الجغرافي الجديد الذي هاجروا أليه . ويفضي الإندماج إلى ضرورة ترك المسلمين لمفردات شخصيتهم والتي قوامها المسلكيّة الحياتيّة التي رسم أبعادها الإسلام , فيما تفضي الإستقلاليّة إلى عزل المسلمين عن الواقع الجديد الذي يعيشون فيه وعندها قد يصونون شخصيتهم لكن ذلك يجعلهم يراوحون مكانهم في السلم الإجتماعي والثقافي وحتى السياسي في الواقع الغربي.
الحلم حالة من التمرد على الواقع والتحليق خارج قيوده ، وكلما كان هذا الواقع أكثر بؤسا كان الحلم أثر إغراقا في الخيال وكانت الرغبة فيه أقوى ، ففيه يبني الإنسان عالمه الخاص أو يحلم بغده دون الهروب إلى عالم خاص ، هكذا نعرف الحلم . وعندما يكون الواقع مرا فلا حاجة لأحد إلى أن يحلم بما هو أمر وإلا كان كابوسا أو مؤشرا على اختلال نفسي عميق .
لا أجد عنوانا يصلح لوصف مشهدنا السياسي والثقافي الفلسطيني أفضل تعبيرا واختصارا من هذا العنوان المؤلم حتى النخاع ولكن هي الحقيقة الظاهرة دونما حاجة لكثير من مهارة في تشخيصها ، وليس غريبا أن نضيف هذا الحال إلى ما تناولناه عن المفاهيم المنقلبة مؤخرا ، فلقد انقلبت أيضا مفاهيم الثقافة وانقلبت حالها بانقلاب المنقلبين الذين لم يدّخروا جهدا في تسويغ انقلاباتهم هذه المرة ثقافيا بتدبير المؤامرات لاغتيال الذاكرة الفلسطينية والتي هي عصب الصمود الحقيقي وشرط الحفاظ على مستقبلية البقاء والوجود خاصتها معا.
كثيرا ما يسألني أولادي قائلين يا أبانا متى نعود إلى الجزائر وطننا الذي ولدنا فيه ..متى نرى جدتنا فريدة التي كانت تتحفنا بالهدايا تلو الهدايا ..فأجيبهم بصوت مكسور ..مبحوح أحيانا , يا أولادي أنتم بلا وطن , أبوكم في حد ذاته لا يملك وطنا ,منذ شرع في الكتابة و الإبداع وهو يدفع ضريبة التنقل من وطن إلى وطن بحثا عن وطن.
معذرة يا أولادي …لقد حرمتكم من الوطن …ولست أدري أين سترسو سفينتكم في نهاية المطاف …لا تحلموا بالعودة رجاءا , إلى أين نعود !
منذ خمسة قرون بدأ المد الغربي يجتاح العالم شمالا وجنوبا وشرقا في موجات متلاحقة من الهجرات البشرية بدأت باحتلال ما سمي " العالم الجديد " في الأمريكتين واستراليا ثم في موجات من الاحتلال الاستيطاني لعل أشهرها جنوب أفريقيا . ومع اقتسام العالم بين القوى الاستعمارية الكبرى أصبح هناك نموذج متكامل يتخلص به الغرب من مشكلاته بتصديرها خارج حدوده :
عندما تمنح القلم حياتك و تجعله نبراسك في الحياة تكون قد أمسكت بكل أسباب النجاح ,فالحياة ليست غنيمة مادية كما يريد كثيرون الاعتقاد به .ان الذي يعطي معنى للحياة و يرسم أبعادها الحقيقية انما هو الفكر والثقافة و بعبارة أصح القلم .