ويعد الصيام مدرسة صحية وتربوية واجتماعية، مبنية على الصبر، ومخالفة النفس، وكسر الشهوة واحترام النظام، والتزام الجماعة والإحسان إلى الفقراء، ومواساة المساكين والمحتاجين، وتطهير الروح والانشغال بلذة العبادات من صلاة وذكر، وقيام واعتكاف وتلاوة للقرآن الكريم .
وللصيام فضائل كثيرة ومعانٍ سامية جليلة، نذكر أهمها على النحو التالي:
1- إضافة الصيام لله ـ تعالى ـ تشريفًا لقدره وتعريفًا بعظيم أجره:
عن أَبي هُرَيْرَةَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ: "قَالَ اللَّهُ: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ" (متفق عليه).
وفي رواية لمسلم: "كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ، قَالَ اللَّهُ ـ عَزَّ وَجَلَّ ـ: "إِلَّا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي".
الشتاء بستان الطائعين، وربيع المؤمنين، وغنيمة العابدين، وروضة المتقين، وميدان المجتهدين؛ كان ذلك لكونه يتميز بنهاره القصير وليله الطويل، فهو فرصة حقيقية أمام المسلم للتقرب إلى الله تعالى بالصيام والقيام وجميع أنواع العبادات، والمؤمن بحق يحرص على استثمار كل دقيقة من وقته، ويُوظف كل ذرة من عمره وأنفاسه في طاعة ربه، ولا يترك فرصة سانحة أمامه لتحصيل مثوبة من الله تعالى إلا ويغتنمها، ولا يترك باباً من الأبواب الموصلة إلى رضا الله ورضوانه إلا ويلج من خلاله،
والشتاء باب خير من الأبواب التي تعين المسلم على الحصول على مرضات ربه تبارك وتعالى، فالمسلم يقدر فيه على الطاعة
بيُسر الصيام والقيام؛ حيث يقل فيه الجوع والتعب؛ فالنهار قصير والليل طويل.
الشريعة الإسلامية شريعة غراء، شريعة ربانية كاملة متكاملة شاملة، شريعة متوازنة صالحة لكل زمان ومكان ولكل البشر على اختلاف ألوانهم وأجناسهم ولغاتهم، شريعة جاءت وهدفها الأول والأخير إسعاد العباد وتحقيق مصالحهم والمحافظة عليها، ودرء الأضرار والمفاسد عنهم، فهي شريعة إنما وضعت لإقامة مصالح العباد في المعاش والمعاد في العاجل والآجل.
منذ بداية دراستي للشريعة والقانون وأنا أسمع تساؤلاً يثار بشكل مستمر حول مصطلح مبادئ الشريعة، ماذا يقصد به أهو نفسه أحكام الشريعة، وإذا كانت مبادئ الشريعة ليست هي أحكام الشريعة، فما الفرق بين كلا المصطلحين؟!
لقد برز هذا التساؤل كثيرًا في الفترة الأخيرة، خاصة بعد الثورات العربية، إذ إن الحاجة باتت ملحة لسن دساتير جديدة تتلاءم مع مطالب الثوار، وإبان إعداد هذه الدساتير يطول النقاش رسميًا وإعلاميًا عن المقصود بمبادئ الشريعة التي غالبًا ما يُنَص في الدساتير العربية على اعتبارها مصدرًا رئيسياً من مصادر التشريع. ولذا وجدنا من الأهمية بمكان كتابة مقال يوضح المقصود بأحكام الشريعة الإسلامية ومبادئها والفرق بين المصطلحين، وسنتولى ذلك على النحو التالي:
هل نستغني بالعلم عن العمل؟ أم هل لنا أن نتفرغ للعبادة دون غيرها؟
كثيرون هم العلماء.. ويغلبهم العابدون كثرة.. لكن الأقل النادر في الفريقين من يعبد الله تعالى على علم، أو من يحدوهم علمهم إلى إحسان العبادة.
فكم من عالم لم يزده علمه إلا حيرة؛ حيث لو يوفَّق إلى المواءمة بين ما يقرؤه وما يدرسه وبين نواميس الكون التي لا تتبدل ولا تتغير، ومن ثم لم يوفَّق إلى بارئها وخالقها.
وكم من عابد لم تزده عبادته إلا نصبًا وإلا بعدًا عن الله، لأنها في الحقيقة ليست عبادة، وإنما مجرد حركات وطقوس اعتاد على أدائها عن جهل، فلا هي نفعته وروحت عن نفسه وزادته رقيًا حيث ذلك هو المرجو من العبادات، ولا هو رحم نفسه فلم يرهقها بهذه الأفعال.
رباه... رباه... رباه...
رباه... عبدك المؤمن بك... المصدق بكتابك... المقر بوحدانيتك... أتاك راجيًا مستغفرًا مستعتبًا... وقد أنهكته الذنوب، وأرهقته المعاصي، وأثقلته الغفلة... ولم يعد له أمل يتعلق به إلا فضلة من إيمان يضيء نورها في قلبه من بعيد ويهتف به في كل آنٍ ألا تطِل الغيبة ولا تزد سلطان الشيطان على نفسك... فهاك نداء ربك (يا ابنَ آدمَ إنَّك ما دعوتني ورجوتني غفرتُ لك على ما كان منك ولا أُبالي يا بنَ آدمَ لو بلغتْ ذنوبُك عنانَ السَّماءِ ثمَّ استغفرتني غفرتُ لك ولا أُبالي يا بنَ آدمَ إنَّك لو أتيتني بقرابِ الأرضِ خطايا ثمَّ لقيتني لا تشرِكُ بي شيئًا لأتيْتُك بقِرابِها مغفرةً)، فهل بعد هذا النداء من حب وتقرب؟ الله يحبك... الله يناديك... الله يفرح بتوبتك!
{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُم بُنيَانٌ مَّرْصُوصٌ} (سورة الصف:، الآية 4)
ترى، ماذا بقي لنا كي نصل إلى هذه المرحلة، مرحلة البنيان المرصوص؟
بقي الكثير، الكثير. بقي علينا أن نتعلم كيف نقف بإحسان في صفوف الصلاة. وأعني بذلك أن نحرص ذاتيا على ذلك دون أن يتطوع بعضنا بالتذكير أنّ "إقامة الصف من حسن الصلاة"، ودون أن يكبّر الإمام، فينشغل أصحاب الصف بدعوة/استجداء من خلفهم كي يكلموا صفهم المليء بالثقوب، ودون أن يضطر أحد إلى جذب من هو بجانبه كي يعتدل الصف. على التصاف أن يغدو فعلا طوعيا، وهَمًّا ذاتيا، وعادةً نشعر بالانزعاج والغربة بل والإهانة دونها.
لقد كانت السُّرعة التي انتشر بها الإسلام مقارنة بالديانات الأخرى هي السبب الأكبر في لفْتِ أنظار العالم بعامة، والعالم الغربيِّ على وجه الخصوص، لهذا الدين ونبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقاموا على دراسته تارةً، والحرب عليه تارةً أخرى، وإرسال المُغامرين والمكتشفين للأراضي المقدَّسة بحثًا وكشفًا عن أسراره مرات عدة، مما أدَّى إلى إيمان بعضهم به كدِينٍ، كما فعل عقلاؤهم، أو على الأقل الإعجاب به، فتفرَّغ المستشرقون لدراسة سرِّ انتشار هذا الدين من عصر النبوة وإلى يومنا هذا؛ إذ كان انتشار الإسلام في عهده ـ صلى الله عليه وسلم ـ معجزته، تبقى أيضًا معجزةً له في سرعة انتشاره في عصرنا كدليل صدق من دلائل نبوته الباهرة. والمعجزات التي أُثبتُها لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ هي المعجزات التي أثبتَها له كل من قرأ سيرته المطهَّرة من المُفكِّرين والعلماء، فصارت بهذا المفهوم من شهاداتهم باللفظ الصريح "معجزة". أما انتشار الإسلام على عهده ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبعده بعقود، فهو معجزته التي شهد بها وأثبتَها بعضُ الأعلام من الشرق والغرب؛ فمِن الشرق يقول الإمام محمد عبده[1]: "اندفَع المسلمون في أوائل نشأتهم إلى الممالك والأقطار يفتحونها، ويتسلطون عليها، فأدهشوا العقول وقهروا الأمم، وامتدت سلطتهم من جبال بيريني الفاصلة بين إسبانيا وفرنسا إلى جدار الصين، مع قِلَّة عدَّتِهم وعددهم، وعدم تعوُّدهم على الأجواء المختلفة، وطبائع الأقطار المتنوعة، أرغموا الملوك، وأذلُّوا القياصرة والأكاسرة، في مدة لا تتجاوز ثمانين سنة... إن هذا ليُعدُّ من خوارق العادات وعظائم المعجزات!".
الصفحة 9 من 17