كان ذلك عام 1981 ..بعد خمسة أشهر من قدومي الى اسبانيا ، سمعت شريطا مسجلا لمحمد قطب أحد أكبر الكتاب والمفكرين الاسلاميين في تلك الحقبة ، جاء فيه: "إن المسلمين اليوم يعيشون في أوربة ويساعدون في بنائها ، وهم جزء من خطة استقدام مدروس لليد العاملة الرخيصة ، ولذلك فهم "مسكوت" عنهم حاليا، وعما قريب عندما تفرغ أوربة من المهمة التي استقدمتهم من أجلها ، وعندما يصبح لهم وجود جماعي ومساجد يحافظون من خلالها على هوياتهم فإن أوربة لن تستمر في السكوت على ذلك ".
من الحقائق المسلم بها ان العرب ينتسبون الى أمة واحدة.واذا كان تاريخهم في الجاهلية قد عكس صورة اخرى عن انقسامهم وتشرذمهم وتعاديهم وتفرق كلمتهم وهيمنة روح الانتماء الى القبيلة،وهي الكيان الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الأصغر والاضعف والاقل شأنا، فهذا كله لا ينفي عنهم صفة الأمة المتجانسة عرقا ولسانا.وفي نفس الوقت ليس هناك دليل على انهم تجاهلوا البتة كونهم عربا أصلا وفصلا،نسبا وحسبا،حتى في غمرة ذلك المشهد القائم على الفرقة والانقسام.
بداية أعترف أن لمصر في قلبي كل التجلة والإكبار، منذ أن فتحت عقلي وقلبي وذوقي على مواجد ابن الفارض وأشجان ناجي و سرديات العميد الحلوة والفكر الدقيق الصارم عند هرقل مصر وشمشونها(العقاد) والحيوية المتدفقة عند القاهري نجيب واللحن الخالد عند صاحبة العصمة، والاندغام في الغيب المحجوب في صوت المقرئ عبد الباسط عبد الصمد،حد النشوة بالحضور والتجلي . فنهر النيل لا يغرف منه الإخوة في مصر فقط بل يغرف منه الملايين من أبناء العروبة- لهم نيلهم ولنا نيلنا- ومصر الفاتنة الخالدة بأهرامها ورمسيسها وإيزيسها وأوزيريسها هي وشم على زند الأيام وساعة في معصم الزمان، بآثارها الخالدات يأخذ التاريخ معناه وتستقيم للحياة وجهتها إلى معارج الرقي والكمال.
وقعت عيني صدفة على ملف فيديو يصور لقطات انتشال جثث ضحايا سيول مدينة جدة الحبيبة إلى قلبي ، أطفال ونساء وشباب ، وكأني دخلت في حلم مرعب أحاول أن أتحرك في أحداثه فأستيقظ من شدة العجز ، تألمت وكأني أغرق معهم ، تخيلت .. كيف كانت آخر لحظة في حياتهم ، وما آخر كلمات قالوها ، الأب والأم وأبناؤهم في السيارة ماذا كان حديثهم ومزاحهم قبل أن يخطفهم القدر ، أهكذا ببساطة قتلت الأحلام !
على هامش حديثنا عن اللعبة الإعلامية الاسلامية ، ودور قناة الجزيرة في فسح المجال لأصحابها ولأول مرة في تاريخ الإعلام الناطق بالعربية ، خمسة أسئلة في غاية من الأهمية يجب أن نطرحها عن كل من التيارين القومي والاسلامي : نشأة كل منهما ، والوسائل التي اتبعها في نشر فكره وأهدافه، وعلاقته بالسلطة والسياسة ، وعلاقته بالشعب والإنسان، وواقع وجودهما على الساحة في زمن مابين القرنين، هذه الأسئلة الخمسة ومن خلال الإجابة عليها يمكننا أن نشكل تصورا حقيقيا عن سير الأوضاع السياسية والفكرية والثقافية والاجتماعية في بلادنا ، كما يمكننا فهم كثير من ملابسات الوضع الراهن الذي تعيشه المنطقة ، باعتبارها منطقة جغرافية تجمع كل شعوبها :لغة واحدة رسمية ، وثقافة واحدة ، وتاريخ واحد ، وأهداف متطابقة، وقبل ذلك ومعه هموم وآلام ومشكلات واحدة.
إلى أولئك الذين يمرون على أعمارنا كالنسمات وغيرهم ممن يمرون كالعثرات .. وإلى الذين قضوا أعمارهم فى مشروعات لمحو كل أنواع الأمية .. أمية الكتابة والقراءة وأمية المشاعر والإحساس. إلى كل الناس الذين يحلمون لكل الناس أحلاما ليست حصرية.. أحلاما بجنة على الأرض للإنسانية.. إلى كل من صاحب الصبر وذاق الظلم وقرر أن يهزم أساه ويطرد رثاه.. ويبتسم.. وينطلق.. ويحيا من جديد.. طائراً فى البرية.
الصفحة 138 من 433